نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

{ قال يا نوح } وأكد في نفي ما تقدم منه إثباته فقال : { إنه ليس من أهلك } أي{[39323]} المحكوم بنجاتهم لإيمانهم وكفره ، ولهذا علل بقوله : { إنه عمل } أي ذو عمل ، ولكنه جعله نفس العمل في قراءة الجماعة مبالغة في ذمه ، وذلك لأن الجواهر متساوية الأقدام في نفس الوجود لا تشرف إلا بآثارها ، فبين أنه ليس فيه أثر صالح أصلاً ، ويثبت قراءة يعقوب والكسائي بالفعل أن من باشر السوء مطلق مباشرة وجبت البراءة منه ، ولا سيما للأمر فلا يواصل إلا بإذن ، وعبر بالعمل دون الفعل لزعمه أن أعماله مبنية على العلم ، وأكده لما لا يخص من سؤال نوح عليه السلام هذا{[39324]} { غير صالح } بعلمي ، وقد حكمت في هذا الأمر أني لا أنجي منه إلا من اتصف بالصلاح وأنا عليم بذات الصدور ، وأنت يخفى عليك كثير من الأمور فربما ظننت الإيمان بمن ليس بمؤمن لبنائك الأمر على ما نراه من ظاهره ؛ وقد نقل الرماني{[39325]} عن الحسن أنه كان ينافق بإظهار الإيمان ، وهذا يدل على أن الموافق في الدين ألصق ما يكون وإن كان في غاية البعد في النسب ، والمخالف فيه أبعد ما يكون وإن كان في غاية القرب في النسب{[39326]} .

ولما تسبب عن هذا الجواب أن ترك السؤال كان أولى ، ذكر أمراً كلياً يندرج فيه فقال : { فلا تسألن } أي بنوع من أنواع السؤال { ما ليس لك به علم } فلا تعلم أصواب السؤال فيه أم لا ، لأن اللائق بأمثالك من أولى القرب بناء أمورهم على التحقيق وانتظار{[39327]} الإعلام منا ، انظر إلى قول موسى عليه السلام في حديث الشفاعة في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها " ومن المعلوم أن تلك النفس كانت كافرة من آل فرعون { إني أعظك } بمواعظي كراهية { أن تكون } أي كوناً تتخلق به { من الجاهلين* } أي في عداد الذين يعملون بالظن لأنهم لا سبيل لهم إلى الوقوف على حقائق الأمور من قبلنا فتسأل مثل ما يسألون .


[39323]:زيد من ظ.
[39324]:زيد من ظ.
[39325]:في ظ: الكرماني.
[39326]:زيد من ظ.
[39327]:في ظ: انتظام.