نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (85)

ولما كان عدم النقص قد يفهم منه التقريب ، أتبعه بما{[39926]} ينفي هذا الاحتمال وللتنبيه على أنه لا{[39927]} يكفي الكف عن تعمد التطفيف ، بل يلزم السعي في الإيفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدونها ، ولأن التصريح بالأمر بالشيء بعد النهي عن ضده أوكد ، فقال مستعطفاً لهم بالتذكير بأنه منهم يسوءه ما يسوءهم وبأنهم لما أعطاهم الله من القوة جديرون بأن يعرضوا عن تعاطي سفساف الأخلاق ورذائلها : { ويا قوم } أي أيها{[39928]} الذين لهم قوة في القيام فيما ينوبهم { أوفوا } أي أتموا إتماماً حسناً { المكيال والميزان } أي{[39929]} ، {[39930]}المكيل والموزون{[39931]} وآلتهما ؛ وأكده بقوله : { بالقسط } أي العدل السوي ، فصار الوفاء مأموراً به في هاتين الجملتين مراراً تأكيداً له وحرصاً عليه وإظهاراً لعموم نفعه وشمول بركته ، فزال بالمجموع توهم المجاز على أبلغ وجه ، وقد مضى في الأنعام ويأتي في هذه السورة{[39932]} عند { غير منقوص } أن الشيء يطلق مجازاً على ما قاربه ؛ ثم أكده أيضاً بتعميم النهي عن كل نقص بذلك وغيره في جميع الأموال{[39933]} فقال : { ولا تبخسوا } أي تنقصوا على وجه الجحد والإهانة{[39934]} { الناس أشياءهم } ثم بين أن أفعالهم ثمرة الهجوم{[39935]} عن غير فكر لأنها ليست ناشئة عن شرع فأولها سفه وآخرها فساد فقال : { ولا تعثوا في الأرض } أي تتصرفوا وتضطربوا فيها عن غير بصيرة ولا تأمل حال كونكم { مفسدين* } أي فاعلين ما يكون فساداً في المعنى كما كان فساداً في الصورة ، فهو دعاء إلى تقديم التأمل والتروي على كل فعل وذلك{[39936]} لأن مادة " عثى " بكل ترتيب دائرة على الطلب عن غير{[39937]} بصيرة ، من العيث - للأرض السهلة ، فإنها لسهولتها يغتر بها فيسلكها الغبي بلا دليل فيأتي الخفاء والجهل ، ومنه التعييث - لطلب الأعمى الشيء ؛ والأعثى : الأحمق الثقيل ، ولون إلى السواد ، والكثير الشعر ، ويلزم ذلك اتباع الهوى فيأتي الإفساد والمسارعة فيه ، وذلك هو معنى العثى ؛ قال أئمة اللغة : عثى وعاث : أفسد ، وفي مختصر العين للزبيدي : عثى في الأرض بمعنى عاث يعيث عيثاً ، وهو الإسراع في الفساد ، فالمعنى على ما قال الجمهور : ولا تفعلوا الفساد عمداً وهو واضح ، {[39938]}وعلى ما قدّرته من أصل المعنى الذي هو للمدار أوضح{[39939]} ، وعلى ما قال الزبيدي : ولا تسرعوا فيه ، فلا يظن أنه يكون الإسراع حينئذ قيداً حتى ينصب النهي إليه ، بل هو إشارة إلى أنه لا يكون {[39940]}الإقدام بلا{[39941]} تأمل إلا كذلك لملاءمته للشهوة - والله أعلم ؛ والوفاء : تمام الحق ؛ والبخس : النقص ، فهو أخص من الظلم لأنه وضع الشيء في غير موضعه .


[39926]:في ظ ومد: ما.
[39927]:سقط من مد.
[39928]:سقط من ظ.
[39929]:زيد من ظ ومد.
[39930]:من ظ ومد، وفي الأصل: الكيل والوزن.
[39931]:من ظ ومد، وفي الأصل: الكيل والوزن.
[39932]:سقط من ظ.
[39933]:في ظ: الأمور.
[39934]:زيد من ظ ومد.
[39935]:في ظ: اللحوم.
[39936]:زيد من ظ ومد.
[39937]:في ظ: كل.
[39938]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[39939]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[39940]:من مد، وفي الأصل: للإقدام بل، وفي ظ: إقدام بل ـ كذا.
[39941]:من مد، وفي الأصل: للإقدام بل، وفي ظ: إقدام بل ـ كذا.