محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (85)

[ 85 ] { ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين 85 } .

{ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط } أي العدل .

قال الزمخشري : فإن قلت : النهي عن النقصان أمر بالإيفاء ، فما فائدة قوله : { أوفوا } ؟

/ قلت : نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان . لأن في التصريح بالقبيح نعيا على المنهي ، وتعييرا له . ثم ورد الأمر بالإيفاء ، الذي هو حسن في العقول ، مصرحا بلفظه لزيادة ترغيب فيه ، وبعث عليه . وجيء به مقيدا { بالقسط } أي ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان أمرا بما هو الواجب لأن ما جاوز العدل فضل ، وأمر مندوب إليه . وفيه توقيف على أن الموفي ، عليه أن ينوي بالوفاء القسط ، لأن الإيفاء وجه حسنه أنه قسط وعدل . فهذه ثلاث فوائد . انتهى .

{ ولا تبخسوا الناس أشياءهم } أي لا تنقصوهم حقوقهم بطريق من الطرق ، كالكيل والوزن وغيرهما ، فهو تعميم بعد تخصيص ، لأنه أعم من أن يكون في المقدار وغيره . والبخس : الهضم والنقص . ويقال للمكس : البخس . قال زهير{[4878]} :

أفي كل أسواق العراق إتاوة*وفي كل ما باع امرؤ بخس درهم

ألا تستحي منا ملوك وتتقي *** محارمنا . لا تتقي الدم بالدم

وروي ( مكس درهم ) . يريد زهير : أخذ الخراج ، وما هو اليوم في الأسواق من رسوم وظلم . وكان قوم شعيب يأخذون ، من كل شيء يباع ، شيئا . كما تفعل السماسرة ، / أو كانوا يمكسون الناس ، أو كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء ، فنهوا عن ذلك كذا في ( الكشاف ) و ( شرحه ) .

قال القاشاني : لما رأى شعيب ، عليه السلام ، ضلالتهم بالشرك ، واحتجابهم عن الحق بالجبت ، وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع الرذائل ، وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال نهاهم عن ذلك ، وقال : إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية ، وإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم ، لاحتجابكم عن الحق ، ووقوفكم مع الغير ، وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش ، وإعراضكم عن المعاد ، وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات ، عن تحصيل الباقيات الصالحات ، فلازموا التوحيد والعدالة ، واعتزلوا عن الشرك ، والظلم ، الذي هو جماع الرذائل ، وأم الغوائل .

{ ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي لا تعملوا فيها بالفساد . يعم أيضا تنقيص الحقوق وغيره ، كالسرقة والشرك ، والدعاء إليه ، والصد عن الإيمان ونحوها .


[4878]:هذان البيتان ليسا في (ديوان زهير) واستشهد في (لسان العرب) في مادة (ا ت و) وبالبيت الأول ونسبه إلى حني بن جابر التغلبي. = وأخطأ صاحب (اللسان) في اسم الشاعر. وإنما هو: جابر بن حني التغلبي، صاحب المفضلية 42. والبيتان منها هما السابع عشر والتاسع عشر. وروايتهما : وفي كل ...... مكس درهم .......... لا يبؤ الدم بالدم (لا يبوؤ) من قولهم: باء فلان بفلان إذا كان كفءا له، أن يقتل به. وقد صحح الأستاذ المرصفي اسمه كذلك في (رغبة الآمل) بالجزء الخامس ص 223 وكان المبرد في (الكامل) قد رواه خطأ، فقال: عمرو بن حيي التغلبي.