نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلُۚ كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّشۡرِكِينَ} (42)

ولما كان الإنسان - لنقصه في تقيده بالجزئيات - شديد الوقوف مع العقل التجربي ، وكان علمهم بأيام الماضين ووقائع الأولين كافياً لهم في العظة{[53227]} للرجوع عن اعتقادهم ، والتبرئ من عنادهم ، وكانوا - لما لم يروا آثارهم رؤية اعتبار ، وتأمل وادكار ، عدوا ممن {[53228]}لم يرها ، فنبه{[53229]} سبحانه على ذلك بالاحتجاب عنهم بحجاب العزة ، أمراً له صلى الله عليه وسلم بأن يأمرهم بالسير للنظر ، فقال تأكيداً لمعنى الكلام السابق نصحاً لهم ورفقاً بهم : { قل } أي لهؤلاء الذي لا همّ لهم إلا الدنيا ، فلا{[53230]} يعبرون فيما ينظرون من ظاهر إلى باطن : { سيروا } وأشار إلى استغراق ديار المهلكين كل حد{[53231]} ما حولهم من الجهات كما سلف فقال : { في الأرض } فإن سيركم الماضي لكونه لم يصحبه عبرة{[53232]} عدم .

ولما كان المراد الانقياد{[53233]} إلى التوحيد ، وكان قد ذكرهم بما أصابهم على نحو ما أصاب به الماضين قال : { فانظروا } بفاء التعقيب ، ولما كان ما أحله بهم{[53234]} في غاية الشدة ، عرفهم {[53235]}بذلك ، فساق{[53236]} مساق الاستفهام تخويفاً لهم من إصابتهم بمثله فقال : { كيف } ولما كان عذابهم مهولاً ، وأمرهم شديداً وبيلاً ، دل عليه بتذكير الفعل فقال : { كان عاقبة } أي آخر أمر { الذين } ولما كان المراد طوائف المعذبين ، وكانوا بعض من مضى ، فلم يستغرقوا الزمان ، بعض فقال : { من قبل } أي من قبل أيامكم أذاقهم الله وبال أمرهم ، وأوقعهم في حفائر مكرهم .

ولما كان هذا التنبيه كافياً في الاعتبار ، فكان سامعه جديراً بأن يقول : قد تأملت فرأيت آثارهم عظيمة ، وصنائعهم مكينة ، ومع ذلك فمدنهم خاليه{[53237]} وبيوتهم{[53238]} خاوية{[53239]} ، قد ضربوا بسوط العذاب ، فعمهم{[53240]} الخسار والتباب ، فما لهم عذبوا ، فأجيب بقوله : { كان أكثرهم مشركين* } فلذلك أهلكناهم ولم تغنِ عنهم كثرتهم ، وأنجينا المؤمنين وما ضرتهم قلتهم .


[53227]:من م ومد، وفي الأصل وظ: العظمة.
[53228]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لم ير عاقبته.
[53229]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لم ير عاقبته.
[53230]:في ظ: فلم.
[53231]:زيد من ظ ومد.
[53232]:من م ومد، وفي الأصل: غيره.
[53233]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالانقياد.
[53234]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لهم.
[53235]:من ظ، وفي الأصل وم ومد: لك بسوقه.
[53236]:من ظ، وفي الأصل وم ومد: لك بسوقه.
[53237]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: خاوية.
[53238]:في ظ ومد: بيوتها.
[53239]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: خالية.
[53240]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: منهم.