نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

ولما ختم في أول السورة الآيات الدالة على الوحدانية المستلزمة للبعث لأن{[53296]} به تمام ظهور الحكمة ، وانكشاف غطاء القلوب عن صفات العظمة ، بأن قيام السماء والأرض بأمره و{[53297]} أتبع ذلك ما{[53298]} اشتد التحامه به ، وختمه ببغض الكافرين بعد ذكر يوم البعث ، أتبعه ذكر ما حفظ به قيام الوجود ، وهو الرياح ، يجعلها سبباً في إدرار النعم التي منها ما هو أعظم أدلة البعث وهو النبات ، وهي{[53299]} بجملتها دليل ذلك وسبب القرار في البر والسير{[53300]} في البحر الموصل{[53301]} لمنافع بعض البلاد إلى بعض ، وبذلك انتظم الأمر لأهل الأرض ، فاستعمل{[53302]} المؤمن منهم {[53303]}ما رزقه سبحانه من العقل في النظر في ذلك حتى أداه إلى شكره فأحبه ، واقتصر الكافر على الدأب فيما يستجلب به{[53304]} تلك النعم ويستكثرها ، فأبطره ذلك فأوصله إلى كفره فأبغضه ، والرياح أيضاً أشبه شيء بالناس ، منها النافع نفعاً كبيراً{[53305]} ، ومنها الضار ضراً{[53306]} كثيراً ، فقال{[53307]} : { ومن آياته } أي الدلالات الواضحة الدالة على كمال قدرته وتمام علمه الدال على أنه هو وحده الذي أقام هذا الوجود ، وكما أنه أقامه فهو يقيم وجوداً آخر هو زبدة الأمر ، ومحط الحكمة ، وهو أبدع{[53308]} من هذا الوجود ، يبعث فيه الخلق بعد فنائهم ، ويتجلى لفصل القضاء بينهم ، فيأخذ بالحق لمظلومهم من ظالمهم ، ثم يصدعهم فيجعل فريقاً منهم{[53309]} في الجنة دار الإعانة والكرامة ، وفريقاً في السعير غار الإهانة والملامة { أن يرسل الرياح } على سبيل التجدد{[53310]} والاستمرار ، وهي ما عدا الدبور المشار في الحديث الشريف إلى الاستعاذة منها

" اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " وقد تقدم من شرحي لها{[53311]} عند

{ ومن يرسل الرياح بشراً }

في [ النمل{[53312]} : 63 ] ما فيه كفاية ، وفي جمعها المجمع عليه هنا لوصفها{[53313]} بالجمع{[53314]} إشارة إلى باهر القدرة ، فإن تحويل الريح الواحدة من جهة إلى أخرى أمر عظيم لا قدرة لغيره عليه في الفضاء الواسع ، وكذا إسكانه ، فكيف إذا كانت رياح متعاكسة ، ففي إثارتها كذلك ثم إسكانها من باهر القدرة ما{[53315]} لا يعلمه إلا أولو البصائر { مبشرات } أي لكم{[53316]} بكل ما فيه نفعكم من المطر والروح وبرد{[53317]} الأكباد ولذة العيش .

ولما كان التقدير : ليهلك بها من يشاء من عباده ، أو ليدفع عنكم ما يحصل بفقدها من نقمته من الحر ، وما يتبعه من انتشار المفسدات ، واضمحلال المصلحات ، وطواه لأن السياق لذكر النعم ، عطف عليه قوله مثبتاً اللام إيضاحاً للمعطوف عليه : { وليذيقكم } {[53318]}وأشار{[53319]} إلى عظمة نعمه {[53320]}بالتبعيض في{[53321]} قوله : { من رحمته } أي نعمه{[53322]} من المياه العذبة والأشجار الرطبة ، وصحة الأبدان ، وخصب الزمان ، وما يتبع ذلك من أمور لا يحصيها إلا خالقها ، ولا يتصورها حق تصورها إلا من فقد الرياح ، من وجود الروح وزكاء الأرض وإزالة

العفونة من الهواء{[53323]} والإعانة على تذرية{[53324]} الحبوب وغير ذلك ، وأشار إلى عظمة هذه النعمة{[53325]} و{[53326]}إلى أنها{[53327]} صارت لكثرة الإلف مغفولاً عنها بإعادة اللام فقال : { ولتجري الفلك } أي السفن في جميع البحار وما جرى مجراها عند هبوبها .

ولما أسند الجري {[53328]}إلى الفلك{[53329]} نزعه منها بقوله : { بأمره } أي بما يلائم من الرياح اللينة ، وإذا أراد أعصفها فأغرقت ، أو جعلها متعاكسة فحيرت{[53330]} ورددت ، حتى يحتال الملاحون بكل حيلة على إيقاف السفن لئلا تتلف{[53331]} .

ولما كان كل من{[53332]} مجرد السير في البحر والتوصل به من بلد إلى بلد{[53333]} نعمة في نفسه ، عطف على { لتجري } قوله ، منبهاً بإعادة اللام {[53334]}إيضاحاً للمعطوف عليه{[53335]} على تعظيم النعمة{[53336]} : { ولتبتغوا } أي تطلبوا طلباً ماضياً بذلك السير ، وعظم ما عنده بالتبعيض في قوله : { من فضله } مما يسخر{[53337]} لكم من الريح بالسفر للمتجر من بلد إلى بلد {[53338]}والجهاد وغيره{[53339]} { ولعلكم } أي ولتكونوا إذا فعل بكم ذلك على رجاء من{[53340]} أنكم { تشكرون* } ما أفاض عليكم سبحانه من نعمه ، ودفع عنكم من نقمه{[53341]} .


[53296]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لأنه.
[53297]:زيد من ظ وم ومد.
[53298]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بما.
[53299]:في ظ: هو.
[53300]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الستر.
[53301]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الوصل.
[53302]:في ظ: فاستعمال.
[53303]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53304]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53305]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: كثيرا.
[53306]:في م: ضررا.
[53307]:زيد من ظ وم ومد.
[53308]:زيد في ظ: الحكمة.
[53309]:زيد من ظ وم ومد.
[53310]:في ظ ومد: التجديد.
[53311]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[53312]:آية 63، وفي جميع النسخ: ومن آياته أن يرسل.
[53313]:من م، وفي الأصل وظ ومد: لوصفه.
[53314]:في ظ وم ومد: بجمع.
[53315]:زيد من ظ وم ومد.
[53316]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لكل.
[53317]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: برود.
[53318]:في ظ: فأشار.
[53319]:في ظ: فأشار.
[53320]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالتعبير.
[53321]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالتعبير.
[53322]:زيد من ظ وم ومد.
[53323]:زيد من ظ وم ومد.
[53324]:من م ومد، وفي الأصل وظ: تدربه.
[53325]:في ظ ومد: النعم.
[53326]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأنها.
[53327]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأنها.
[53328]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للفلك.
[53329]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للفلك.
[53330]:من م ومد، وفي الأصل: فحريت، وفي ظ: فجرت.
[53331]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تتلقف.
[53332]:سقط من ظ.
[53333]:زيد من ظ وم ومد.
[53334]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[53335]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[53336]:زيد من ظ وم ومد.
[53337]:في ظ: سخر.
[53338]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وغيره والجهاد وبلده.
[53339]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وغيره والجهاد وبلده.
[53340]:زيد من ظ وم ومد.
[53341]:زيد من ظ وم ومد.