نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

ولما أتم ضرب المثل المفيد لتمام قدرته على الأفعال الهائلة ببشارة ونذارة ، حتى أن من طبع على قلبه فهو لا يؤمن وإن كان قريباً في النسب والدار ، ومن أسكن قلبه الخشية يؤمن وإن شط به النسب والمزار ، فتم التعريف بالقسم المقصود بالذات وهو من يتبع الذكر ، وختم بالبعث وكانوا له منكرين ، وكان قد جعله في صدر الكلام من تمام بشارة من اتبع الذكر ، دل عليه بقوله مبتدئاً بنكرة تنويها دال على تعظيمها :

{ وآية } أي : علامة عظيمة { لهم } على قدرتنا على البعث وإيجادنا له { الأرض } أي :هذا الجنس الذي هم منه ، ثم وصفها بما حقق وجه الشبه فقال : { الميتة } التي لا روح لها لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفني فتفتت وصار تراباً أو لم يكن بها شيء أصلاً . ثم استأنف بيان كونها آية بقوله : { أحييناها } أي :باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله .

ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال : { وأخرجنا منها حباً } ونبه تعالى على عظيم القدرة فيها وعلى عموم نفعها بمظهر العظمة ، وزاد في التنبيه بالتذكير بأن الحب معظم ما يقيم الحيوان ، فقال مقدماً للجار إشارة إلى عد غيره بالنسبة إليه عدماً لعظيم وقعه وعموم نفعه بدليل أنه متى قل جاء القحط ووقع الضرر ، { فمنه } أي :بسبب هذا الإخراج { يأكلون } أي :فهو حب حقيقة يعلمون ذلك علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، لا يقدرون على أن يدعوا أن ذلك خيال سحري بوجه ، وفي هذه الأية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله وكماله . وقد أنشد هنا الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله في تفسيره في عيب من أهمل ذلك فقال :

يا من تصدر في دست الإمامة في *** مسائل الفقه إملاء وتدريسا

غفلت عن حجج التوحيد تحكمها *** شيدت فرعاً وما مهدت تأسيسا