نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِن كُلّٞ لَّمَّا جَمِيعٞ لَّدَيۡنَا مُحۡضَرُونَ} (32)

ولما كان كثير من أهل الجهل وذوي الحمية والأنفة لا يبالون بالهلاك في متابعة الهوى ، اعتماداً على أن موتة واحدة في لحظة يسيرة أهون من حمل النفس على ما لا تريد ، فيكون لهم في كل حين موتات ، أخبر تعالى أن الأمر غير منقض بالهلاك الدنيوي ، بل هناك من الخزي والذل والهوان والعقوبة والإيلام ما لا ينقضي أبداً فقال : { وإن كل } أي : وإنهم كلهم ، لا يشذ منهم أحد ، وزاد في التأكيد لمزيد تكذيبهم بقوله : { لما } ومن شدد { لما } فالمعنى عنده : " وما كل منهم إلا " وأشار إلى أنهم يأتون صاغرين راغمين في حالة اجتماعهم كلهم في الموقف لا تناصر عندهم ولا تمانع ، وليس أحد منهم غائب بحال التخلف عن الانتصار عليه فقال : { جميع } وأشار إلى غرابة الهيئة التي يجتمعون عليها بقوله : { لدينا } وزاد في العظمة بإبرازه في مظهرها ، وعبر باسم الفاعل المأخوذ من المبني للمفعول جامعاً نظراً إلى معنى { كل } ؛ لأنه أدل على الجمع في آن واحد وهو أدل على العظمة : { محضرون * } أي :في يوم القيامة بعد بعثهم بأعيانهم كما كانوا في الدنيا سواء ، إشارة إلى أن هذا الجمع على كراهة منهم وإلى أنه أمر ثابت لازم دائم ، كأنه لعظيم ثباته لم يزل ، وأنه لا بد منه ، ولا حيلة في التفصي عنه ، وأنه يسير لا توقف له غير الإذن ، فإذا أذن فعله كل من يؤمر به من الجنود كائناً من كان ، وما أحسن ما قال القائل :

ولو أنا متنا تركنا *** لكان الموت راحة كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا *** ونسأل بعدها عن كل شي