نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِزِينَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ} (6)

ولما كانت المشارق تقتضي الفيض والإظهار ، أتبع ذلك نتيجته بما من شأنه الشروق والغروب ولو بمجرد الخفاء والظهور ، فقال مؤكداً مع لفت الكلام إلى التكلم في مظهر العظمة تنبيهاً على أن فعلهم فعل من ينكر ما للنجوم من الزينة وما تدل عليه من عظمته سبحانه وتعالى ، وفخم التعبير عن الزينة بتضعيف الفعل لمثل ذلك : { إنا زينا } أي بعظمتنا التي لا تدانى { السماء } ولما كانوا لا يرون إلا ما يليهم من السماوات ، وكانت زينة النجوم ظاهرة فيها قال : { الدنيا } أي التي هي أدنى السماوات إليكم .

ولما أشير إلى أن الصف زينة في الباطن باتحاد القصد كما أنه زينة في الظاهر بحسن الشكل وبديع الرصف ، زيد في التنبيه على ذلك بإعادة ما فهم من " زينا " في قوله : { بزينة الكواكب * } أي بالزينة التي للنجوم النيرة البراقة المتوقدة الثابتة في محالها - قارة أو مارة - المرصعة في السماء ترصيع المسامير الزاهرة كزهر النور المبثوث في خضرة الرياض الناضرة ، فهي مع عدم التنوين والخفض إضافة بيانية كثوب خز ، ومن نوّن الزينة فإن خفض الكواكب فعلى البدل ، أي بالكواكب التي هي زينة ، وإن نصب فعلى المدح بتقدير أعني ، أو على أنه بدل اشتمال من السماء ، أي كواكبها ، إما بكونها فيما دونها من الجو فبظن أنها فيها ، أو يكونها فيها من جانبها الذي يلينا ، أو بكونها تشف عنها وإن كان بعضها فيما هو أعلى منها ، وزينتها انتظامها وارتسامها على هذا النظم البديع في أشكال متنوعة وصور مستبدعة ما بين صغار وكبار ، منها ثوابت ومنا سيارة وشوارق وغوارب - إلى غير ذلك من الهيئات التي لا تحصى ، ولا حد لها عند العباد العجزة فيستقصى .