ولما كان كأنه قيل : وما تلك الآيات ؟ ذكر ما يخوفهم منها ويعرفهم أن جميع ما أباحهم إياه من شؤونها إنما هو بقدرته واختياره فقال : { إن يشاء } أي الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة الفكر لها { يسكن الريح } التي يسيرها وانتم مقرّون أن أمرها ليس إلا بيده { فيظللن } أي فتسبب عن ذلك أنهن يظللن أن يقمن ليلاً كان أو نهاراً ، ولعله عبر به مع أن أصله الإقامة نهاراً لأن النهار موضع الاقتدار على الأشياء وهو المنتظر عند كل متعسر للسعي في إزالة عسره وتيسر أمره { رواكد } أي ثوابت مستقرات من غير سير { على ظهره } ثباتاً ظاهراً بما دل عليه إثبات اللامين وفتح لامه الأولى للكل .
ولما كان ذلك موضع إخلاصهم الدعوة لله والإعراض عن الشركاء فإنهم كانوا يقولون في مثل هذا الحال : اخلصوا فإن آلهتكم - أي من الأصنام وغيرها من دون الله - لا تغني في البحر شيئاً ، وكانوا ينسبون ذلك شركاء مع طلوعهم إلى البر كانوا بمنزلة من لا يعد ذلك آية أصلاً ، فلذلك أكد قوله : { إن في ذلك } أي ما ذكر من حال السفن في سيرها وركودها مما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه بدليل ما للناس كافة من الإجماع على التوجه في ذلك إليه خاصة والانخلاع مما سواه { لآيات } أي على أن إحاطته سبحانه بجميع صفات الكمال أمر مركوز في العقول ثابت في الفطر الأولى مما لا يصد عنه إلا الهوى ، وعلى أن بطلان أمر ما دونه لذلك هو من الظهور بمكان لا يجهل .
ولما كانوا يتمادحون بالصبر على نوازل الحدثان والشكر لكل إحسان ويتذامون بالجزع والكفران ، وكان ذلك يقتضي ثباتهم على حال واحد فإن كان الحق عليهم لمعبوداتهم فرجوعهم عنها عند الشدائد مما لا ينحو نحوه ولا يلتفت لفتة أحد من كمل الرجال الذين يجانبون العار والاتسام بمسيم الإغمار ، وإن كان الحق كما هو الحق لله فرجوعهم عنه عند الرخاء بعد إنعامه عليهم بإنجائهم من الشدة لا يفعله ذو عزيمة ، قال مشيراً إلى ذلك بصيغتي المبالغة : { لكل صبار } أي في الشدة { شكور * } أي في الرخاء وإن كثر مخالفوه ، وعظم نزاعهم له ، وهاتان صفتا المؤمن المخلص الذي وكل همته بالنظر في الآيات فهو يستملي منها العبر ويجلو بها من البصيرة عين البصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.