الآية 33 وقوله تعالى : { إن يشأ يُسكن الريح فيضللن رواكد على ظهره } يذكر فضله ومنّته بما أجرى هذه السفن في البحار التي ذكر ، فأخبر أنه لو شاء لأمسكها ومنعها عن الجريان . ثم صيّر الريح نوعين :
أحدهما : طيبة تجري بها السُّفن ، والأخرى عاصفة شديدة ، تهلك بها السفن ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : { حتى إذا كنتم في الفُلك وجرين بهم بريح طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف } الآية { يونس : 22 } .
ثم في ذلك خلال ثلاث تدل على أن الريح ليست تُجري السفن ، وتهبّ بطبعها ونفسها ، ولكن بالله تعالى :
أحدها : أنه أخبر أنه جعل نوعا منها طيبة تُجري السفن ، والأخرى عاصفة تُهلك السفن ، وتهيج الأمواج .
والثانية{[18762]} : ما ذكر في هذه الآية : { إن يشأ يُسكن الريح } أخبر أنه لو شاء لأسكن الريح /492-ب/ فتبقين رواكد على ظهر الماء . فدلّ أنه هو المُجري لها حين{[18763]} كان هو المُسكِن .
والثالثة{[18764]} : أن الفعل{[18765]} الطبيعي على سنن واحد كالحرارة في النار والبرودة في الثلج ، وأمثال ذلك [ كثيرة ]{[18766]} ولو كان جريان الريح وهبوبها بنفسها وطبعها لكانت لا تسكن في حال ، ولا تكون مرة طيبة سالمة ومرة شديدة عاصفة مُهلكة . دلّ أن ذلك كان بالله تعالى لا بالطبع ، والله الموفّق .
وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور } هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : سمّى المؤمن صبورا شكورا . والثاني : [ سمّى ]{[18767]} من صبر على ما أصاب من الشدائد والمصائب التي ذكر صبورا ومن شكر ما ذكر من النّعم في السفن وغيرها شكورا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { رواكد على ظهره } قال أبو عوسجة والقتبيّ : أي وقوفا{[18768]} ، وصرفه : رَكَد يركُد رَكْداً ورُكودا .
الآية 34 وقوله تعالى : { أو يوبقهنّ بما كسبوا ويعفُ عن كثير } جائز أن يكون هذا صلة ما ذكر من السفن الجواري في البحر حين{[18769]} قال : { إن يشأ يُسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره } يقول إن شاء أسكن الريح التي بها تجري السفن في البحار ، فتبقين رواكد في الماء ، وإن شاء أرسل ريحا عاصفة شديدة ، فيهلكن ، يعني السفن ، وأراد أهل السفن بما كان منهم .
يُخبر أن له أن يفعل ما ذكر من الإهلاك في البحر والإبقاء فيه . لكنه بفضله يُنجي من أنجى ، وأخرج سالما ، والله أعلم .
وكذا قال أبو عوسجة : { أو يوبقهن } أي يُهلك أهل السفن .
ويحتمل أن يكون ذلك صلة ما تقدم من قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] فيكون ما يصيبهم من المصيبة ما بلغت النفس أو مما تبلُغ النفس ، فيكون كل ذلك لهم من كسب أيديهم على ما ذكر .
ثم أخبر أنه يعفو عن كثير مما كسبت أيديهم مما يستوجبون الإهلاك ، ويتجاوز عنهم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.