ولما كان هذا كله على صورة الاختبار لن يستبصر فيدوم إخلاصه ، ومن يرجع إلى العمى فلا يكون خلاصه ، قال مبيناً بالنصب للصرف عن العطف على شيء من الأفعال الماضية لفساد المعنى لكونها في حيز الشرط ، فيصير العلم أيضاً مشروطاً : { ويعلم الذين يجادلون } أي عند النجاة بالعفو . ولما كان مقام العظمة شديد المنافاة للمجادلة ، لفت القول إليه فقال : { في آياتنا } أي هذه التي لا تضاهي عظمتها ولا تقايس جلالتها وعزتها رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الشرك والنزاع في تمام القدرة بإنكار البعث ، ومن واو الصرف يعرف أن مدخولها مفرد في تأويل المصدر لأن النصب فيها بتقدير أن فيكون مبتدأ خبره ما يدل عليه السياق فالتقدير هنا : وعلمه سبحانه بالمجادلين عند هذا حاصل ، والتعبير عنه بالمضارع لإفادة الاستمرار لتجدد تعلق العلم بكل مجادل كلما حصل جدال ، وقراءة نافع وابن عامر بالرفع دالة على هذا ، فإن التقدير : وهو يعلم - فالرفع هنا والنصب سواء ، قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب في نواصب الفعل : والفاء - أي ناصبة - بشرطين : السببية ، والثاني أن يكون قبلها أحد الأشياء الثمانية ، والواو بشرطين : الجمعية وأن يكون قبلها _مثل ذلك . وقد تضمر " أن ّ الناصبة بعد الفاء والواو الواقعتين بعد الشرط قبل الجزاء نحو أن تأتني فتكرمني أو تكرمني أنت ، أو بعد الشرط والجزاء : إن تأتني إنك فأكرمك أو وأكرمك ، وذلك لمشابهة الشرط في الأول والجزاء في الثاني النفي ، إذ الجزاء مشروط ووجوده بوجود الشرط ، ووجود الشرط مفروض ، فكلاهما غير موصوفين بالوجود حقيقة ، وعليه حمل قوله تعالى { ويعلم الذين } في قراءة النصب ، ثم قال : وكذا يقول في الفعل المنصوب بعد واو الصرف أنهم لما قصدوا فيها معنى الجمعية نصبوا المضارع بعدها ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدم مرشداً من أول الأمر أنها ليست للعطف فهي إذن إما واو الحال وأكثر دخولها على الاسمية فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ، فمعنى قم وأقوم : قم وقيامي ثابت : أي في حال ثبوت قيامي ، وإما بمعنى مع وهي لا تدخل إلا على الاسم قصدوا ها هنا مصاحبة الفعل للفعل منصوباً ما بعدها ، فمعنى قم وأقوم : قم مع قيامي كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم فنصبوا ما بعد الواو ، ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على المصدر متصيد من الفعل قبله كما قاله النحاة ، أي لم يكن منك قيام وقيام مني ، لم يكن فيه نصوصية على معنى الجمع ، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى أن يجعل على وجه يكون ظاهراً فيما قصدوا النصوصية عليه ، وإنما شرطوا في نصب ما بعد فاء السببية كون ما قبلها أحد الأشياء المذكورة أي الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والرجاء لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمتحقق الوقوع ، ويكون ما بعد الفاء كجزائها ثم حملوا ما قبل واو الجمعية في وجوب كون أحد الأشياء المذكورة على ما قبل فاء السببية التي هي أكثر استعمالاً من الواو في مثل هذا الموضع أعني في انتصاب المضارع بعدها ، وذلك لمشابهة الواو للفاء في أصل العطف ، وفي صرف ما بعدهما عن سنن العطف لقصد السببية في إحداهما والجمعية في الأخرى ، ولقرب الجمعية من التعقب الذي هو لازم السببية ثم قال : وكذا ربما لم يصرف بعد واو الجمعية إلى النصب أمنا من اللبس نحو ائتني وأكرمك بالرفع ، لأن واو الحال قد تدخل على المضارع المثبت كما ذكرنا في باب الحال ، نحو قمت وأضرب زيداً أي وأنا أضرب .
ولما كان علم القادر بالمعصية موجباً لعذاب من عصاه ، كان كأنه قيل : قد خسر من فعل ذلك فيا ليت شعري ما يكون حالهم ؟ أجاب بقوله : { ما لهم من محيص * } أي محيد ومفر أصلاً عن عذابه ، ولا بشيء يسير ، وإن تأخر في نظركم إيقاع العذاب بهم فإن عذابه سبحانه منه ما هو باطن وهو الاستدراج بالنعم وهذا لا يدركه إلا أرباب القلوب المقربون لدى علام الغيوب ، ومنه ما هو ظاهر ، ويجوز أن يكون " الذين " فاعل " يعلم " ، وحينئذ تكون هذه الجملة في محل نصب لسدها مسد مفعول العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.