نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{سُبۡحَٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (82)

ولما بطلت الشبهة على تقدير ببرهان ، وعلى آخر بشبهة أقوى منها ، وظهر الأمر واتضح الحق في أنه سبحانه يشاء لشخص فعل شيء ولآخر عدم فعل ذلك الشيء وفعل ضده أو نقيضه ، ومن المعلوم قطعاً أنه لا يكون فعل النقيضين ولا الضدين في آن واحد حقاً من وجه واحد ، فعرف بذلك أن العبرة في الحلال والحرام بأمره ونهيه لا بإرادته ، وأنه لولا ذلك لما علم أنه فاعل بالاختيار يخص من يشاء من عباده بما يشاء بعد أن عمهم بما شاء ، كان موضع التنزيه عما نسبوه إليه من الباطل ، فقال منزهاً على وجه مظهر أنه لا يصح أن ينسب إليه ولد أصلاً : { سبحان رب } أي مبدع ومالك { السماوات } ولما كان المقام للتنزيه وجهة العلوية أجدر ، لأنه أبعد عن النقص والنقيض ، ولم يقتض الحال إعادة لفظ الرب بخلاف ما يأتي آخر الجاثية ، فإنه لإثبات الكمال ونظره إلى جميع الأشياء على حد سواء فقال : { والأرض } أي اللتين كل ما فيهما ومن فيهما مقهور مربوب محتاج لا يصح أن يكون له منه سبحانه نسبة بغير العبودية بالإيجاد والتربية .

ولما كانت خاصة الملك أن يكون له ما لا يصل إليه غيره بوجه أصلاً ، قال محققاً لملكه لجميع ما سواه ومن سواه وملكه له ، ولم يعد العاطف لأن العرش من السماوات : { رب العرش } أي المختص به لكونه خاصة الملك الذي وسع كرسيه السماوات والأرض { عما يصفون } من أنه له ولد أو شريك .