نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ} (80)

ولما كان إصرارهم بين العزم على مجاهرة القدير بالمعاداة وبين معاملته وهو عليم بالمساترة والمماكرة في المعاداة والمباكرة والمسالمة والمناكرة قال تعالى : { أم يحسبون أنا } على ما لنا من العظمة المقتضية بجميع صفات الكمال { لا نسمع } ولما كان المراد إثبات أن علمه تعالى محيط بالخفي والجلي ، نسبة كل منهما إليه على السواء ، ذكرهما وقدم ما من شأنه أن يخفي وهو المكر المشار إليه بالإبرام ، لأن السياق له فقال تعالى : { سرهم } أي كلامهم الخفي ولو كان في الضمائر فيما يعصينا ، ولما كان ربما وقع في الأوهام أن المراد بالسمع إنما هو العلم لأن السر ما يخفى وهو يعم ما في الضمائر وهي مما يعلم ، حقق أن المراد به حقيقته بقوله : { ونجواهم } أي كلامهم المرتفع حتى كأنه على نجوة أي مكان عال ، فعلم أن المراد حقيقة السمع ، وأنه تعالى يسمع كل ما يمكن أن يسمع ولو لم يكن في قدرتنا نحن سماعه ، فنكون فيه كالأصم بالنسبة إلى ما نسمعه نحن من الجهر ولا يسمعه هو لفقد قوة السمع فيه ، لا لأنه مما من حقه ألا يسمع .

ولما كان إنكار عدم السماع معناه السماع ، صرح به فقال : { بلى } أي نسمع الصنفين كليهما على حد سواء { ورسلنا } وهم الحفظة من الملائكة على ما لهم من العظمة بنسبتهم إلينا . ولما كان حضور الملائكة معنا وكتابتهم لجميع أعمالنا على وجه لا نحس به نوع إحساس أمراً هو في غاية الغرابة ، قال معبراً بلدى التي يعبر بها عبد اشتداد الغرابة : { لديهم يكتبون } أي يجددون الكتابة كلما تجدد ما يقتضيها لأن الكتابة أوقع في التهديد ، لأن من علم أن أعماله محصاة مكتوبة تجنب ما يخاف عاقبته .