نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (17)

ولما كان قولهم هذا صورته صورة المنة ، قال مترجماً له مبكتاً لهم عليه معبراً بالمضارع تصويراً لحاله في شناعته : { يمنون عليك } أي يذكرون ذكر من اصطنع عندك-{[60984]} صنيعة وأسدى إليك نعمة ، إنما فعلها لحاجتك إليها لا لقصد الثواب عليها ، لأن المن هو القطع - قال في الكشاف : لأنه إنما يسديها إليه ليقطع بها حاجته لا غير-{[60985]} ، من غير أن يعمد لطلب مثوبة ، ثم يقال : من عليه ضيعة - إذا اعتده عليه منة وإنعاماً . ولما كان الإسلام ظاهراً في الدين الذي هو الانقياد بالظاهر مع إذعان الباطن-{[60986]} لم يعبر به ، وقال : { إن أسلموا } أي أوقعوا الانقياد للأحكام في الظاهر .

ولما كان المن هو القطع من العطاء الذي لا يراد عليه جزاء ، قال : { قل } أي في جواب قولهم هذا : { لا تمنوا } معبراً بما من المن إشارة إلى أن الإسلام لا يطلب جزاؤه إلا من الله ، فلا ينبغي عده صنيعة على أحد ، فإن ذلك يفسده { عليّ إسلامكم } لو فرض أنكم {[60987]}كنتم مسلمين{[60988]} أي متدينين بدين الإسلام الذي هو انقياد الظاهر مع إذعان الباطن ، أي-{[60989]} لا تذكروه على وجه الامتنان أصلاً ، فالفعل وهو { تمنوا } مضمن " تذكروا " نفسه لا معناه كما تقدم في-{[60990]} { ولتكبروا الله على ما هداكم } { بل الله } أي الملك الأعظم الذي له المنة على كل موجود ولا منة عليه بوجه { يمن عليكم } أي يذكر أنه أسدى إليكم نعمه {[60991]}ظاهرة وباطنة منها ما هو{[60992]} { أن } أي بأن { هداكم للإيمان } أي بينة لكم أو وفقكم للاهتداء وهو تصديق الباطن مع الانقياد بالظاهر ، والتعبير عن هذا بالمن أحق مواضعه ، فإنه سبحانه غير محتاج إلى عمل فإنه لا نفع يلحقه ولا ضر ، وإنما طلب الأعمال لنفع{[60993]} العاملين أنفسهم ، ومن عليهم بأن أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم فبين لهم فكذبوه بأجمعهم ، فلم يزل يقويه حتى أظهر فيه آية-{[60994]} مجده وأظهر دينه على الدين كله ، ودخل فيه الناس{[60995]} طوعاً وكرهاً على وجوه من المجد يعرفها من {[60996]}استحضر السيرة{[60997]} ولا سيما من عرف أمر بني أسد وغطفان الذين نزلت فيهم هذه الآيات ، وكيف كان حالهم في غزوة خيبر {[60998]}وغيره{[60999]} .

ولما كان المراد-{[61000]} بهذا تجهيلهم وتعليمهم حقائق الأمور ، لا الشهادة لهم بالهداية ، قال منبهاً على ذلك : { إن كنتم } أي كوناً أنتم عريقون فيه { صادقين * } في ادعائكم ذلك ، فإنه على تقدير الصدق إنما هو بتوفيق الله وهو الذي خلق لكم قدرة الطاعة ، فهو الفاعل في الحقيقة فله المنة عليكم ، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : من لاحظ شيئاً من أعماله وأحواله فإن رآها دون نفسه كان شركاً ، وإن رآها لنفسه كان مكراً ، فكيف يمن العبد بما هو شرك أو مكر ، والذي يجب عليه قبول المنة كيف يرى لنفسه على غيره منة ، هذا لعمري فضيحة ، والمنة تكدر الصنيعة ، إذا كانت من المخلوقين ، وبالمنة تطيب النعمة إذا كانت من قبل الله .


[60984]:زيد من مد.
[60985]:زيد من مد.
[60986]:زيد من مد.
[60987]:من مد، وفي الأصل: مسلمون.
[60988]:من مد، وفي الأصل: مسلمون.
[60989]:زيد من مد.
[60990]:زيد من مد.
[60991]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60992]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60993]:زيد في الأصل: المسلمين أو، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60994]:زيد من مد.
[60995]:سقط من مد.
[60996]:من مد، وفي الأصل: استحفره.
[60997]:من مد، وفي الأصل: استحفره.
[60998]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60999]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[61000]:في الأصل بياض ملأناه من مد.