ولما ذمهم بسوء عملهم ، أرشدهم إلى ما يمدحون به من حسنه فقال : { ولو أنهم } أي المنادي والراضي { صبروا } أي حبسوا أنفسهم ومنعوها عن مناداتهم ، والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها وهو حبس فيه شدة ، وصبر عن كذا - محذوف الفعل لكثرة دوره ، أي نفسه { حتى تخرج } من تلقاء نفسك عند فراغ ما أنت فيه مما يهمك من واردات الحق ومصالح الخلق{[60733]} . ولما كان الخروج قد يكون إلى غيرهم من المصالح ، فلا يسوغ في الأدب أن يقطع ذاك عليه قال : { إليهم } أي ليس لهم أن يكلموك حتى تفرغ لهم فتقصدهم فإنك لا تفعل شيئاً-{[60734]} في غير حينه بمقتضى أمر الرسالة { لكان } أي الصبر .
ولما كان العرب أهل معال{[60735]} فهم بحيث لا يرضون إلا الأحسن فقال : { خيراً لهم } أي من استعجالهم في إيقاظك وقت الهاجرة وما لو قرعوا الباب بالأظافير كما كان يفعل غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا على تقدير أن يكون ما ظنوا من أن فيه خيراً {[60736]}فكانوا يعقلون{[60737]} ، ففي التعبير بذلك مع الإنصاف بل الإغضاء والإحسان هز لهم إلى-{[60738]} المعالي وإرشاد إلى ما يتفاخرون به من المحاسن ، قال الرازي : قال أبو عثمان : الأدب عند الأكابر يبلغ بصاحبه{[60739]} إلى الدرجات العلى والخير في الأولى والعقبى - انتهى . وأخيرية صبر في الدين معروفة ، وأما في الدنيا فإنهم لو تأدبوا لربهم زادهم النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل فأعتق جميع سبيهم وزادهم ، والآية في الاحتباك : حذف التعليل بعدم الصبر أولاً {[60740]}لما دل{[60741]} عليه ثانياً ، والعقل ثانياً لما دل عليه من-{[60742]} ذكره أولاً .
ولما ذكر التقدير تأديباً لنا وتدريباً على الصفح عن الجاهل وعذره وتعليمه : ولكنهم لم يصبروا وأساؤوا الأدب فكان ذلك شراً لهم والله عليم بما فعلوا حليم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة لإساءتهم الأدب على رسوله صلى الله عليه وسلم ، عطف عليه استعطافاً لهم مع إفهامه الترهيب : { والله } أي المحيط بصفات الكمال { غفور } أي ستور لذنب من تاب من جهله { رحيم * } يعامله{[60743]} معاملة الراحم فيسبغ عليه نعمه . ولما تابوا ، أعتبهم الله في غلظتهم{[60744]} على خير خلقه أن جعلهم أغلظ الناس على شر{[60745]} الناس : الدجال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنهم أشد الناس عليه " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.