نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ} (118)

ولما قدم سبحانه ما مضى من السوائب وما معها وفي المائدة مما يدين به أهل الجاهلية في أكل الحيوان الذي جر{[30918]} إليه الشرك ، وأتبعه بيان أنه لا ضرر على أهل الإيمان من دين أهل الضلال إذا اهتدوا ، وأتبع ذلك ما لاءمه ، وانتظم في سلكه ولاحمه ، حتى ظهر أي ظهور أن الكل{[30919]} مِلكه ومُلكه ، وأنه لا شريك له ، فوجب شكره وحده ، وكانوا مع ذلك قد كفروا نعمه تتعالى فاتخذوا معه شركاء ولم يكفهم ذلك حتى جعلوا لها مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ، فكانوا{[30920]} بذلك المانعين{[30921]} الحق عن أهله ، ومانحين ما خولهم فيه من له الملك لما لا يملك ضراً ولا نفعاً ، وتاركين بعض ما أنعم عليهم به صاحب الحق رعاية لمن لا حق له ولا حرمة ، وكانت سنة الله تعالى قد جرت بأنه يذكر نفسه الشريفة بالوحدانية . ويستدل على ذلك بخلق السماوات والأرض وما أودع فيهما لنا من المنافع وما أبدع من المرافق والمصانع ، ثم يعجب ممن أشرك به ، ثم يأمر{[30922]} بالأكل مما خلق تذكيراً بالنعمة ، ليكون ذلك داعية لكل ذي لب إلى شكره ، كما قال{[30923]} تعالى في البقرة عقب { وإلهكم إله واحد }{ إن في خلق السماوات والأرض{[30924]} }[ البقرة : 164 ] ثم قال{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً{[30925]} }[ البقرة : 165 ] ثم قال{[30926]}{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً{[30927]} }[ البقرة : 168 ] ؛ أجرى هذه السنة الجليلة في هذه السورة أيضاً ، فقال :{ إن الله فالق الحب والنوى }[ الأنعام : 95 ] بعد{ إني وجهت وجهي للذي فطر{[30928]} }[ الأنعام : 79 ] ثم{[30929]}{ وجعلوا لله شركاء الجن }[ الأنعام : 100 ] ودل على أنه لا شريك له في مِلكه ولا مُلكه ، وختم بأنه لا حكم{[30930]} سواه ينازعه في حكمه أو{[30931]} يباريه في شيء من أمره ، وبين{[30932]} أن من آيها{[30933]} الهداية التي جعلها شرطاً لعدم ضرر يلحق من دين أهل الشرك ؛ فسبب عن جميع ما ذكرت قوله : { فكلوا مما ذكر } أي وقت الذبح { اسم الله } أي الملك الذي له الإحاطة الكاملة فله كل شيء { عليه } أي{[30934]} كأن قائلاً لذلك سواء ذكر بالفعل أولا ، وعدل عن التعبير بما جعلته المراد ليفهم أن الذكر بالفعل مندوب إليه ، ولا يكونوا ممن بنى دينه على اتباع الأهوية والظنون الكاذبة ، فكأنه قيل : اتبعوا من يعرف{[30935]} الحق لأهله فإنه مهتد غير معرجين على غيره فإنه ضال ، والله أعلم بالفريقين ، فكونوا من المهتدين ، فكلوا مما خلق الله لكم حلالاً شاكرين لنعمته ، وإنما أطال هنا دون البقرة ما بين الجمل الكلام تقريراً لمضامينها وما يستتبعه واحتجاجاً على جميع ذلك لأنها سورة التفصيل ، و{[30936]} أتى بالذكر{[30937]} والمراد قبول المأكول له ، أي كلوا مما يقبل أن يسمى عليه على مقتضى ما شرعه ، وذلك هو الذي أحله من الحيوان وغيره سواء كان مما جعلوه لأوثانهم أولا ، دون ما مات من الحيوان حتف أنفه ، أو ذكر عليه اسم غير الله أو كان مما حرم أكله وإن ذبح وذكر عليه اسم الله ، فإنه لا يقبل التحليل بالتسمية ، فالتسمية في غير موضعها ، لورود النصوص بالتحريم ، ولا تتبعوا المشركين في منعهم أنفسهم من خير مما خلق الله لهم من الحرث والأنعام بتسميتهم إياه لآلهتهم التي لا غناء عندها ، ويكون ذلك{[30938]} حثاً على التسمية على جميع المأكول الحلال ، فتكون الآية كآية البقرة بزيادة . {[30939]}

ولما كان هذا الأمر{[30940]} لا يقبله إلا من زال دين الشرك وجميع توابعه من قبله ؛ قال : { إن كنتم } أي بما لكم من الجِِبِلَّة الصالحة { بآياته } أي عامة التي منها آيات التحليل والتحريم { مؤمنين * } أي عريقين في وصف الإيمان ،


[30918]:في ظ: جرى.
[30919]:في ظ: لكل.
[30920]:في ظ: لذلك الممانعين.
[30921]:في ظ: لذلك الممانعين.
[30922]:في ظ: باهم- كذا.
[30923]:سقط من ظ.
[30924]:آية 164.
[30925]:آية 165.
[30926]:سقط من ظ.
[30927]:آية 168.
[30928]:زيد من ظ والقرآن الكريم.
[30929]:زيد في ظ بعده: بعد.
[30930]:من ظ، وفي الأصل: حكيم.
[30931]:في ظ "و".
[30932]:من ظ، وفي الأصل: يبين.
[30933]:زيد من ظ.
[30934]:في ظ: أن.
[30935]:في ظ: يصرف- كذا.
[30936]:من ظ، وفي الأصل: إنها يذكر.
[30937]:من ظ، وفي الأصل: إنها يذكر.
[30938]:زيد من ظ.
[30939]:زيد من ظ.
[30940]:من ظ، وفي الأصل: أمر.