اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ} (118)

في هذه الفَاءِ وجهان :

أحدهما : أنَّها جواب شَرْط مُقدَّر .

قال الزَّمخْشَريُّ بعد كلام : فقيل للمُسْلِمِين : إن كُنْتم مُتَحَقِّقِين بالإيمان ، فكُلوا [ وذلك أنَّهم كانوا يَقُلون للمُسْلِمين : إنَّكم تَزْعُمون أنَّكم تَعْبُدُون اللَّه ، فما قتله الله أحَقُّ أن تَأكُلُوا ممَّا قَتَلْتُمُوه أنْتُم ، وقال الله -تعالى- للمسلمين : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ } ]{[15064]} .

والثاني : أنها عَاطِفَة على مَحْذُوف .

قال الواحدي : " ودخَلَت الفاءُ للعطْف على ما دلَّ عليه أوَّل الكلام ، كأنه قِيل : كونوا على الهُدَى ، فكُلُوا " . والظَّاهر : أنَّها عَاطِفة على ما تقدَّم من مَضْمُون الجُمَل المُتقدّمَة كأنه قيل : " اتَّبِعُوا ما أمركُم اللَّه تعالى من أكْلِ المُذَكَّى دون الميتة ، فكُلُوا " .

فإن قيل : إنهم كَانُوا يُبيحُون أكْل ما ذُبِح على اسْمِ اللَّه -تعالى- ، ولا يُنَازعون فيه ، وإنما النِّزاع في أنَّهم أيْضاً كَانُوا يُبِيحُون أكْل الميتة ، والمُسْلِمُون كَانُوا يُحَرِّمُونها ، وإذا كان كذلك ، كان وُرُود الأمْر بإبَاحة ما ذُكِر اسم الله عليه عِبْئاً ، لأنَّه يقتضي إثْبَات الحُكْم في المتَّفَقِ عليه ، وترك الحُكْم في المُخْتَلِف فيه .

فالجواب : لعلَّ القوم يحرِّمُون أكْل المُذَكَّاة ، ويُبِيحُون أكْل المَيْتَة ، فاللَّه-تبارك وتعالى- ردَّ عليهم في الأمْرَيْن ، فحكم بحلِّ المُذَكَّاة بقوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ } وبتحريم المَيْتَة بقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ } أو يُحْمل قوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ } على أن المُرَاد : اجْعَلوا أكْلَكُم مقصوراً على ما ذكر اسْمُ الله عليه ، فيكون المَعْنَى على هذا الوجه ، تَحْرِيم أكْل المَيْتَة فقط .


[15064]:سقط في أ.