نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عم يتساءلون{[1]} وتسمى سورة النبأ

مقصودها الدلالة على أن يوم القيامة-الذي{[2]} كانوا مجمعين على نفيه ، وصاروا بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في خلاف فيه مع المؤمنين- ثابت ثباتا لا يحتمل{[3]} شكا ولا خلافا بوجه ، لأن خالق الخلق مع أنه حكيم قادر على ما يريد دبرهم أحسن تدبير ، بنى لهم مسكنا وأتقنه ، و{[4]} جعلهم على وجه يبقى به نوعهم من أنفسهم بحيث لا يحتاجون إلى أمر خارج يرونه ، فكان ذلك أشد لألفتهم وأعظم لأنس بعضهم ببعض ، وجعل سقفهم وفراشهم كافلين لمنافعهم ، والحكيم لا يترك عبيده{[5]}- وهو تام القدرة كامل السلطان- يمرحون يبغي بعضهم على بعض ويأكلون خيره ويعبدون غيره بلا حساب ، فكيف إذا كان حاكما فكيف إذا كان أحكم الحاكمين ، هذا ما لا يجوز في عقل{[6]} ولا يخطر ببال أصلا ، فالعلم {[7]}واقع به{[8]} قطعا ، وكل من اسميها واضح في ذلك بتأمل آيته ومبدأ ذكره [ و-{[9]} ] غايته { بسم الله } الحكيم العليم{[10]}الذي{[11]} له جميع صفات الكمال ( الرحمن ) الذي ساوى بين عباده في أصول النعم الظاهرة : الإيجاد و{[12]} الجاه والمال{[13]} ، وبيان الطريق الأقوم بالعقل الهادي والإنزال والإرسال { الرحيم* } الذي خص من شاء بإتمام تلك النعم{[14]} فوفقهم لمحاسن{[15]} الأعمال لما أخبر في المرسلات بتكذيبهم بيوم الفصل وحكم على أن لهم بذلك الويل المضاعف المكرر ، وختمها بأنهم إن كفروا بهذا القرآن لم يؤمنوا بعده بشيء ، افتتح هذه بأن{[16]} ما خالفوا فيه وكذبوا الرسول{[17]} في أمره لا يقبل النزاع لما ظهر من بيان القرآن لحكمة الرحمن التي لا يختلف فيها اثنان مع الإعجاز في البيان ، فقال معجبا منهم غاية العجب زاجرا لهم ومنكرا عليهم ومتوعدا لهم ومفخما للأمر بصيغة الاستفهام منبها على أنه ينبغي أن لا يعقل خلافهم ، ولا يعرف محل نزاعهم ، فينبغي أن يسأل عنه كل أحد حتى العالم به إعلاما بأن ما يختلفون فيه{[18]} لوضوحه لا يصدق أن عاقلا يخالف أمره{[19]} فيه وأنه لا ينبغي التساؤل [ إلا- ]{[20]} عما هو خفي فقال :

{ عمَّ } أي عن أي شيء - خفف لفظاً وكناية بالإدغام ، وحذف ألفه لكثرة الدور والإشارة إلى أن هذا السؤال مما ينبغي أن يحذف ، فإن لم يكن فيخفى ويستحى من ذكره ويخفف { يتساءلون * } أي أهل مكة لكل من يسأل عن شيء من القرآن سؤال شك وتوقف وتلدد فيما بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين رضي الله عنهم ، ولشدة العجب سمي جدالهم وإنكارهم{[71035]} وعنادهم - إذا تليت عليهم آياته وجليت بيناته - مطلق سؤال .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[13]:- في النسخ كلها: لا، وفي البخاري: ما، وقول علي رضي الله عنه نقل من البخاري فأثبتناها.
[14]:- في ظ: فهما، وفي متن البخاري كذلك، وعلى حاشيته: فهم.
[15]:- في ظ ومد: عمرو.
[16]:- من م ومد وظ، وفي الأصل: فابتغوا.
[17]:- من م ومد وظ، وهو الصحيح لما في البخاري: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وفي الأصل: بكر.
[18]:- زيد في م: عنى.
[19]:- من م ومد وظ، وفي الأصل: هذا و – كذا.
[20]:- وفي مد: عنهما.
[71035]:زيد في الأصل: وعقايدهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.