فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (127)

ثم ذكر الله سبحانه ما كانوا يفعلونه عند نزول السورة بعد ذكره لما كانوا يقولونه ، فقال : { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَة نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ } أي : نظر بعض المنافقين إلى البعض الآخر قائلين : { هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ } من المؤمنين ، لننصرف عن المقام الذي ينزل فيه الوحي ، فإنه لا صبر لنا على استماعه ، ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك . وقيل المعنى : وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم ، قال بعض من يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للبعض الآخر منهم : هل يراكم من أحد ؟ ثم انصرفوا إلى منازلهم . وحكى ابن جرير ، عن بعض أهل العلم ، أنه قال : { نَظَرَ } في هذه الآية موضوع موضع قال : أي قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد . قوله : { ثُمَّ انصرفوا } أي : عن ذلك المجلس إلى منازلهم ، أو عن ما يقتضي الهداية والإيمان إلى ما يقتضي الكفر والنفاق ، ثم دعا الله سبحانه عليهم ، فقال : { صَرَفَ الله قُلُوبَهُم } أي : صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية ، وهو سبحانه مصرّف القلوب ومقلبها .

وقيل المعنى : أنه خذلهم عن قبول الهداية . وقيل : هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه ، كقولهم : قاتله الله . ثم ذكر سبحانه السبب الذي لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية ، أو السبب الذي لأجله استحقوا الدعاء عليهم بقوله : { صَرَفَ الله قُلُوبَهُم } فقال : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لا يَفْقَهُونَ } ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم .

/خ129