نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا} (2)

ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال : { وأخرجت } وأظهر ولم يضمر تحقيقاً للعموم فقال : { الأرض } أي كلها { أثقالها } أي مما هو مدفون فيها كالأموات والكنوز التي كان أمرها ثقيلاً على الناس ، وهو جمع ثقل بالكسر ، وذلك حين يكون البعث والقيام متأثراً ذلك الإخراج عن ذلك الزلزال ، كما يتأثر عن زلزال البساط بالنفض إخراج ما في بطنه وطيه وغضونه من وسخ وتراب وغيره ، وما كان على ظهرها فهو ثقل عليها ؛ لأنها يعطيها الله قوة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوة أن تخرج النبت الصغير اللطيف الطري الذي هو أنعم من الحرير فيشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاول والحديد ، ويشق النواة مع ما لها من الصلابة التي تستعصي بها على الحديد فينفلق نصفين وينبت منها ما يريده سبحانه وتعالى ، ويفلق قشر الجوز واللوز ونوى الخوخ وغيره مما هو في غاية الصلابة كما نشاهده ، ويخرج منه الشجر بشق الأرض على ضعفه ولينه وصلابتها وبكونه على ظهرها حتى يصير أغلظ شيء وأشده ، وكذا الحب سواء ، فالذي قدر على ذلك هو سبحانه وتعالى قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن ، ويشق جميع منافذه على التحذير من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل إلى هناك بيكار ولا منشار ، ثم يخرج من البطن ، فكذا إخراج الموتى من غير فرق ، كل عليه هين ، سبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه .