السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا} (2)

{ وأخرجت الأرض } أي : كلها ، ولم يضمر تحقيقاً للعموم { أثقالها } أي : مما هو مدفون فيها من الكنوز والأموات . قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها . وقال ابن عباس ومجاهد : أثقالها أمواتها ، تخرجهم في النفخة الثانية ، ومنه قيل للجنّ والإنس : الثقلان . وقيل : أثقالها كنوزها ، ومنه الحديث : «تنفي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً » ، فيعطيها الله تعالى قوّة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوّة أن تخرج النبات الصغير اللطيف الطريّ الذي هو أنعم من الحرير ، فتشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاويل شق النواة مع ما لها من الصلابة التي استعصت بها على الحديد ، فتنفلق نصفين ، وينبت منها سائر ما يريده سبحانه وتعالى ، فالذي قدر على ذلك قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض ، وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن ، ويشق جميع منافذه من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل هناك بيكار ولا منشار ، ثم يخرج من البطن . هكذا إخراج الموتى من غير فرق ، كل ذلك عليه هين سبحانه ، ما أعظم شأنه ، وأعز سلطانه .