نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

لما ختم الزلزلة بالجزاء لأعمال الشر يوم الفصل ، افتتح هذه ببيان ما يجر إلى تلك الأعمال من الطبع ، وما ينجر إليه ذلك الطبع مما يتخيله من النفع ، موبخاً من لا يستعد لذلك اليوم بالاحتراز التام من تلك الأعمال ، معنفاً من أثر دنياه على أخراه ، مقسماً بما لا يكون إلا عند أهل النعم الكبار الموجبة للشكر ، فمن غلب عليه الروح شكر ، ومن غلب عليه الطبع - وهم الأكثر - كفر ، فقال : { والعاديات } أي الدواب التي من شأنها أن تجري بغاية السرعة ، وهي الخيل التي ظهورها عز ، وبطونها كنز ، وهي لرجل وزر ، ولرجل أجر ، فمن فاخر بها ، ونادى بها أهل الإسلام ، وأبطره عزها حتى قطع الطريق ، وأخاف الرفيق ، كانت له شراً ، ومن جعلها في سبيل الله كانت له أجراً ، ومن حمل عليها ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها كانت له ستراً ، وإنما أقسم بها ليتأمل ما فيها من الأسرار الكبار التي باينت به أمثالها من الدواب كالثور مثلاً والحمار ، ليعلم أن الذي خصها بذلك فاعل مختار واحد قهار ، فالقسم في الحقيقة به سبحانه .

ولما كانت دالة على الضابحات بالالتزام ، قال ناصباً به أو ب " تضبح " مقدراً : { ضبحاً * } والضبح صوت جهير من أفواهها عند العدو الشديد ، ليس بصهيل ولا حمحمة ولا رغاء ، وهو من النفس ، وليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وأصله للثعلب ، واستيعر للخيل ، وحكاه ابن عباس رضي الله عنهما فقال : أح أح ، أو الضبح عدو دون التقريب .