التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا} (86)

{ ولَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وكِيلاً 86 إلاّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا 87 } [ 86 87 ]

تضمنت الآيتان تنبيها للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لو شاء لذهب بما أوحاه الله إليه . وحينئذ لن يجد له نصيرا على الله يمنع ذلك . وأن ذلك لم يكن إلاّ رحمة من ربه الذي له الفضل الكبير عليه .

ولم يرو المفسرون في صدد نزول الآيتين شيئا على ما اطلعنا عليه . وكل ما هنالك رواية يرويها الطبري تقول : إن ابن مسعود كان يتأول معنى ذهاب الله عز وجل بما أوحاه الله من قرآن هو رفعه من صدور المسلمين ومصاحفهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى ابن كثير الرواية وزاد عليها عزوا إلى ابن مسعود أنه يطرق في آخر الزمان من قبل الشام ريح حمراء فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية من القرآن . وروى البغوي الرواية ومعها رواية عن عبد الله بن عمرو فيها : أنه لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي حول العرش كدوي النحل فيقول الرب : ما لك ؟ وهو أعلم بما يقول فيقول : يا رب أتلى ولا يعمل بي . وروى الزمخشري شيئا من أقوال ابن مسعود ثم قال : يمكن أن يكون الاستثناء منقطعا بمعنى ( ولكن رحمة ربك تركته غير مذهوب به ) وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه .

والذي يتبادر لنا من عطف الآيتين على ما سبقهما مع توجيه الخطاب فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم مثل الآية السابقة لهما مباشرة أنهما جاءتا للتعقيب على هذه الآية لتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تلقى الجواب عن الروح وكونه من أمر الله إلى أنه ليس عليه إلاّ أن يتلقى وحي الله ويبلغه وأنه يتأكد في نفسه ويعلن للناس أنه ليس له من الأمر شيء . فإذا كان الله تعالى قد اختصه بوحيه وقرآنه فذلك فضل منه ورحمة . وفضله عليه كبير ، وإنه لقادر إذا شاء أن يذهب به فلا يستطيع أحد أن يحول دون ذلك أو يجد له على الله نصيرا .

وما قاله الزمخشري من احتمال أن يكون الاستثناء منقطعا وكون الجملة قد تضمنت منا من الله تعالى لا يخلو من وجاهة ، وليس من شأنه التعارض مع ما تبادر لنا . أما ما روي عن ابن مسعود وابن عمرو فإنه من نوع الأمور المغيبة التي لا يصح الأخذ بها حتى لو صحت عنهما ، وليس هناك ما يثبت ذلك إلاّ بخبر وثيق عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه فيما يتبادر لنا تجاوز للمدى الذي قصدت إليه الآيتان ؛ لأنهما موجهتان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسب ، والله تعالى أعلم .