الآية 86 وقوله تعالى : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك }
من يقول بأن الروح الذي سألوه عنه هو الوحي ، والقرآن الذي أُنْزِلَ عليه يحتج بهذه الآية وبقوله : { لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } ( الإسراء : 88 ) لما خرج ذِكْرُهَا على إثر سؤال الروح ، فدل أنه ما ذكرنا . وقد ضل بهذه الآية فريقان الحَشْوِيَّةُ والمعتزلة . أما الحَشْوِيَّةُ فإنهم يقولون : إن القرآن والكلام هو صفة الله الذي هو لم يزل به موصوفا ، وإنه لا يزايله . ثم يقولون : القرآن في المصاحف بعينه ، و هو في الأرض و في القلوب . فقولهم متناقض ، لأنه إذا كان صفته ، لا هو ولا غيره ، لا يجوز أن يكون في المصاحف أعني القرآن ، و يقال : هذا حكاية عن ذلك .
و أما المعتزلة فإنهم يُنْكِرُونَ خلق أفعال العباد ، ثم يقولون : إن القرآن مخلوق . فعلى زعمهم{[11197]} يكون القرآن والكلام ما يُكتَبُ ، ويُثْبَتٌُ ، ويُمْحَى ، وذلك فِعْلُ العباد ، ثم يقولون : أفعالهم غير مخلوقة . فذلك تناقض في القول بَيِّنُ .
وعلى قولنا : ما ذكر من الذهاب والمجيء ؛ كله المجاز ، أي الموافقة لا على الحقيقة كما يقال : سَمِعْتُ كلام فلان وقول فلان ونحوه . فذلك كله على المجاز لا على التحقيق ، لأنه لا يسمع قول فلان حقيقة ولا كلامه ولا حديثه ، ولكن يسمع صوتا ، يفهم به قوله وكلامه وحديثه . فعلى ذلك الأول ، يذهب بالذي يُسْمَعُ ، ويُكْتَبُ . أما حقيقة ذلك فلا يوصف بشيء من ذلك .
وبعد فإنه ، قد أضيف المجيء إلى الذي لا يُعرَفُ منه ذلك .
ثم يحتمل قوله : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك }أن يكون صلة قوله : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } حتى لا يظهر به . وإلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لو شاء لذهب بالذي أوحي إليه ، وقادر عليه ، وله رفعه . وكذلك يعرف هذا كل مؤمن .
وإن كانت الآية على الابتداء فهو يُخَّرَجُ على ذكر المِنَّةِ والرحمة ، أي له أن يرفع هذا الذي أوحي إليه ليعلموا أن إبقاء النبوة والوحي فضل منه ورحمة . وكذلك الوحي إليه والابتداء وبعثه رسولا إليهم ( فضل واختصاص لا استحقاق منه واستيجاب ){[11198]} كقوله تعالى : { والله يختص برحمته من يشاء } ( البقرة : 105 ) وقوله : { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } ( آل عمران : 73 ) أخبر أن النبوة له وما أرسل إليه ( اختصاص منه وفضل واستحقاق ){[11199]} منه .
فعلى ذلك إبقاء النبوة والوحي رحمة وفضل{[11200]} منه .
وفيه دلالة نقض قول المعتزلة من وجوه :
أحدها : ما قالوا : ( إن الله لا يختار ){[11201]} أحد رسالته ونبوته إلا من كان مستحقا لها ومستوجبا لذلك ؛ وقد أخبر أنه بفضله واختصاصه أرسله رسولا ، وبفضله ورحمته أبقاها ، وتركها ، بعد ما أوحي إليه ، وأرسله رسولا .
والثاني : فيه أن له أن يفعل ما ليس هو بأصلح لهم في الدين حين أوعد لهم برفع ما أوحي إليه ، وأرسله ، وإذهاب به إياه ، ولا يوعد إلا بما له أن يفعل ما أوعد ، إذ لا يوعد بما ليس له الفعل في الحكمة . ثم لا شك أن يُقَال : النبوة وترك ما أوحي إليه أصلح لهم من رفعها وتركه إياهم خلوا عن ذلك . دل أنه قد يفعل ما ليس هو بأصلح لهم في الدين .
والثالث{[11202]} : أنه يكلف خلقه التوحيد والإيمان ، وإن لم يرسل رسولا ، ولا أوحي إليه وحيا ، لأنه معلوم أنه لو لم يرسل الرسول ، ولا كانوا مكلفين في أنفسهم لكان خلقه إياهم عبثا ليتركهم سدى ، فدل أنهم مكلفون بتوحيده ومعرفته ، وإن لم يرسل ، ولا أوحي حين{[11203]} أخبر أن بعث الرسالة وإبقاءها فضل منه ورحمة بقوله : { إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.