نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا} (86)

ولما شرح إرادتهم الفتنة عما جاءهم من العلم بتبديل المنزل ، وإخراج المرسل ، وما تبع ذلك حتى ختم بتجهيلهم إذ سألوا تعنتاً عن الروح الحسي ، وكان الأنفع لهم سؤالهم استفادة وتفهماً عن دقائق الروح المعنوي الذي أعظم الله شرفهم به بإنزاله إليهم على لسان رجل منهم هو أشرفهم مجداً ، وأطهرهم نفساً ، وأعظمهم مولداً ، وأزكاهم عنصراً ، وأعلاهم همة ، وختم بتقليل علمهم إشارة إلى أنهم لا يفهمون إلا أن يفهمهموه سبحانه وهو أعلم بما يفهمونه وما لا يفهمونه ، قال عاطفاً على { وإن كادوا ليفتنونك } تنبيهاً لهم على أنه لو شاء لذهب بسبب هذا العلم القليل الذي وهبهموه ، فعمهم الجهل كما كانوا ، وعلى أنه لم يكفهم ترك السؤال عما يعنيهم حتى سألوا عما لا يعنيهم ، وأرادوا تبديل ما ينفعهم ويعنيهم بما يبيدهم ويفنيهم ، فضلوا قولاً وفعلاً : { ولئن شئنا } ومشيئتنا لا يتعاظمها شيء ، ولامه موطئة للقسم ، وأجاب عن القسم بما أغنى عن جواب الشرط فقال تعالى : { لنذهبن } أي بما لنا من العظمة ذهاباً محققاً { بالذي أوحينا } أي بما لنا من العظمة { إليك } مما أرادوا الفتنة فيه من القرآن على أن فيه من العلم ما يغنيهم - لو أقبلوا على تفهمه - عن شيء من الأشياء فلا تبقى عندك نحن ولا وحينا ، ولإفادة هذا لم يقل : لأذهبنا . { ثم } أي بعد الذهاب به { لا تجد لك } ولما كان السياق هنا للروح الذي هو الوحي ، فكانت العناية به أشد ، قدم قوله : { به } ولما كان السياق لمن يأخذ ما يريد طوعاً أوكرهاً ، قال تعالى : { علينا } أي بما لنا من العظمة التي لا تعارض { وكيلاً * } يأتيك به أو بشيء منه .