التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمَۢا} (31)

إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً { 29 } وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً { 30 } يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً { 31 }

وهذه الآيات تعقيب على سابقاتها أيضا : فدعوة النبي ورسالته هما تذكير للناس وإيقاظ وليستا بقصد الإجبار والإبرام . فمن شاء تذكر واتعظ فسلك سبيل الله واستحقّ رضاءه ، ومن أعرض وانحرف وأجرم وظلم كان له العذاب الأليم . والمشيئة بعد الله تعالى العليم بأحوال الناس ونيّاتهم وطبائعهم ، الحكيم فيما أمر ويسّر ، الذي يعرف المستحق لرحمته فيشمله بها ، ويعرف الظالمين فيكون لهم العذاب الأليم عنده .

وهذا الأسلوب قد تكرر في مواضع عديدة من السور المكية وفي المبكرة منها بنوع خاص . وقد استهدفت الآيات إنذار الكفار من جهة والتنويه بالمؤمنين من جهة وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه من جهة بتقرير كون دعوته تذكرة وإيقاظا فمن شاء اتعظ وتذكّر وأناب إلى الله ، وليس هو مسؤولا عن الكافرين فلا موجب لحزنه إذا لم يستجيبوا وليكل أمرهم إلى الله العليم بهم القادر عليهم .

وليس في جملة { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } ما ينفي قابلية الاختيار والمشيئة التي أودعها الله إلى الناس لأن ذلك مما أكّدته التقريرات القرآنية العديدة الحاسمة حتى صار من المبادئ المحكمة . وهذه القابلية والمشيئة مما شاء الله أن تكون للإنسان ، فاختيار الناس الهدى أو الضلال هو من ذلك فلا يكون هناك تناقض فيما هو المتبادر لنا إن شاء الله .

والآية { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أيضا مما يدعم ما نقول ؛ حيث ينطوي فيها أن الله سبحانه وتعالى يعلم المستحق في رحمته ، وأنه يعامل الناس بمقتضى حكمته . وفي سورة الأعراف هذه الآية { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ { 156 } } وفي هذه الآية إيضاح صريح في صدد من يدخلهم الله في رحمته ، ويكون فيها ضابط محكم في هذه المسألة . وفي سورة التكوير آية مماثلة لآية { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } وقد علقنا عليها بما فيه الكفاية ويزيل ما قد يرد على البال من استشكال والله أعلم .