اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمَۢا} (31)

قوله تعالى : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } . أي : يدخله الجنة راحماً له .

قال ابن الخطيب{[58984]} : إن فسرنا الرحمة بالإيمان فالآية صريحة في أن الإيمان من الله تعالى وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئته بسبب مشيئة الله تعالى وفضله ، وإحسانه لا بسبب الاستحقاق ؛ لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجَهْل أو الحاجة ، وهما محالان على الله تعالى ، والمفضي إلى المحال محال ، فتركه محال ، فوجوده واجبٌ عقلاً ، وعدمه ممتنعٌ عقلاً ، وما كان كذلك لا يكون معلقاً على المشيئة ألبتة .

قوله : { والظالمين } ، أي : ويعذّب الظالمين ، وهو منصوب على الاشتغال بفعل يفسره «أعَدَّ لَهُمْ » من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، تقديره : وعذب الظالمين ، ونحوه : «زيداً مررت به » أي : جاوزت ولابست . وكان النصب هنا مختاراً لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها ، وهو قوله «يُدْخِلُ » .

قال الزجاج : نصب «الظَّالمينَ » لأن قبله منصوباً ، أي : يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ، أي : المشركين ، ويكون «أعَدَّ لَهُمْ » تفسيراً لهذا المضمر ؛ قال الشاعر : [ المنسرح ]

5053- أصْبَحتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ ولا *** أمْلِكُ رَأسَ البَعيرِ إنْ نَفَرَا

والذِّئْب أخْشَاهُ إنْ مَررْتُ بِهِ *** وحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرَا{[58985]}

أي : أخشى الذئب أخشاه .

قال الزجاج : والاختيار النصب . وإن جاز الرفع .

وقوله تعالى في «حَم عَسق » : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمون } [ الشورى : 8 ] ارتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فنصب في المعنى ، فلم يجز العطف على المنصوب قبله فارتفع بالابتداء ، وهاهنا قوله : { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً } يدل على «ويُعَذِّبُ » فجاز النصب .

وقرأ الزبير ، وأبان{[58986]} بن عثمان ، وابن أبي عبلة : «والظَّالمُونَ » رفعاً على الابتداء ، وما بعده الخبر ، وهو أمر مرجوح لعدم المناسبة .

وقرأ ابن مسعود{[58987]} : «ولِلظَّالِمينَ » بلام الجر ، وفيه وجهان :

أظهرهما{[58988]} : أن يكون «للظَّالمين » متعلقاً ب «أعَدَّ » بعده ، ويكون «لَهُمْ » تأكيداً .

والثاني : وهو ضعيف ، أن يكون من باب الاشتغال ، على أن يقدر فعلاً مثل الظاهر ، ويجر الاسم بحرف الجر ، فتقول : «بزيد مررت به » أي : مررت بزيد مررت به ، والمعروف في لغة العرب مذهب الجمهور ، وهو إضمار فعل ناصب موافق لفعل الظاهر في المعنى ، فإن ورد نحو «بزيد مررت به » عُدَّ من التوكيد لا من الاشتغال . والأليم : المؤلم .

ختام السورة:

روى الثَّعلبيّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورَة { هَلْ أتى عَلَى الإنسان } كَانَ جَزَاؤهُ عَلى اللهِ تَعَالى جَنَّةً وحَرِيراً »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[58984]:الفخر الرازي: 30/232.
[58985]:تقدم.
[58986]:ينظر: الكشاف 4/676، والمحرر الوجيز 5/515، والبحر المحيط 8/393.
[58987]:ينظر: السابق، والدر المصون 6/452.
[58988]:في أ: أشهرهما.