التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا} (15)

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا السماء انشقت 1 1 وأذنت لربها وحقت 2 2 وإذا الأرض مدت 3 3 وألقت ما فيها 4 وتخلت 4 وأذنت لربها وحقت 5 يا أيها الإنسان إنك كادح 5 إلى ربك كدحا فملاقيه 6 فأما من أوتي كتابه بيمينه 7 فسوف يحاسب حسابا يسيرا 8 وينقلب إلى أهله مسرورا 9 وأما من أوتي كتابه وراء ظهره 10 فسوف يدعوا ثبورا 6 11 ويصلى سعيرا 12 إنه كان في أهله مسرورا 13 إنه ظن أن لن يحور 7 14 بلى إن ربه كان به بصيرا 15 } [ 1—15 ] .

في الآيات الخمس الأولى ما يلهم أنها في صدد مشاهد يوم القيامة : فحينما تنشق السماء انقيادا لأمر ربها وأداء لما عليها نحوه من حق الطاعة ، وحينما تنبسط الأرض وتمتد وتنفتح عما في باطنها وتقذف به إلى سطحها وتتخلى عنه انقيادا لأمر ربها كذلك وأداء لما عليها من حق الطاعة تكون القيامة قد قامت . وعبارة ( تكون القيامة قد قامت ) مقدرا تقديرا . والتقدير بديهي ؛ لأنه نتيجة طبيعية لما احتوته الآيات الخمس من المشاهد . وهو ما يقرره جمهور المفسرين .

وفي الآيات خطاب للإنسان في صدد مصائر الناس يوم القيامة : فكل إنسان ساع في حياته الدنيا . وكل ساع ملاق عند ربه نتيجة سعيه . فالذي يعطي يوم القيامة كتاب عمله بيمينه يكون حسابه يسيرا هينا ويعود إلى أهله راضيا مسرورا .

والذي يعطى كتاب عمله من وراء ظهره فيتمنى الموت فلا يناله ويندب حظه ويصلى النار المستعرة جزاء ما قدمت يداه ؛ لأنه كان في حياته مغرورا بما كان له من قوة ومال وما كان يتمتع به من هدوء البال والنعم غير حاسب لحساب الآخرة ؛ لأنه كان موقنا بعدم البعث بعد الموت في حين كانت عين الله مراقبة له وبصيرة به ومحصية عليه عمله .

ومطلع السورة من المطالع المألوفة في كثير من السور . وتعبير الانقلاب إلى الأهل مستمد من مألوف الخطاب الدنيوي على ما جرت عليه حكمة التنزيل في وصف المشاهد الأخروية فما مرت منه أمثلة عديدة . ويلحظ أن كتاب أعمال الكافر الآثم هنا يعطى له من وراء ظهره في حين ذكر في سور سابقة أنه يعطى له بشماله . حيث يبدو أن التعبير الجديد مما يقوم في اللغة مقام ذلك التعبير .

ولقد علقنا على هذا الموضوع وذاك في المناسبات السابقة بما يغني عن التكرار .

ولقد روى الشيخان والترمذي في فصل التفسير في سياق الآية السابقة من السورة وما بعدها حديثا عن عائشة رضي الله عنها جاء فيه : ( قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليس أحد يحاسب إلا هلك . قلت : يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس الله تعالى يقول { فأما من أوتي كتابه بيمينه 7 فسوف يحاسب حسابا يسيرا } قال : ذاك العرض يعرضون ، ومن نوقش الحساب هلك ){[2403]} . وفي الحديث تفسير أو توضيح لمدى الآيات من جهة وتنبيه للمسلمين ليجتهدوا في تجنب ما يعرضهم للمحاسبة العسيرة من أعمال من جهة أخرى على ما هو المتبادر .


[2403]:التاج ج 4 ص 254.