تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا} (15)

الآيتان 14 و15 : وقوله تعالى : { إنه ظن أن لن يحور } { بلى } فيه دلالة أنه إنما حل به ما ذكر من العذاب ، لأنه كان للبعث ظانا ، ولم يكن به متيقنا .

وكذلك الله سبحانه وتعالى [ حين ]{[23371]} قسم الوعد للفريقين ذكر في آخره ما يبين أن الذي أوعد بالعذاب ، هو المكذب ، وذكر الوعيد ههنا ، وبين أن الذي يحل به هذا الوعيد ، هو الذي كان ظانا بالميعاد ، ولم يكن متحققا . وقال الله تعالى : { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } إلى قوله : { ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } [ السجدة : 20 ] فتبين أن الوعيد في المكذبين ، وقال تعالى : { تلفح وجوههم النار } إلى قوله : { فكنتم بها تكذبون } [ المؤمنون : 104 و105 ] ليعلم أن الوعيد الدائم في المكذبين خاصة ؛ فيكون فيه دفع قول المعتزلة : إن أهل الكبائر يخلدون في النار .

وقوله تعالى : { إن ربه كان به بصيرا } أي كان بصيرا بما سبق من أعماله الخبيثة ، فيحاسبه على علم منه بما كسبت يداه ، ويعذبه على علم منه باكتساب ما استوجب من العذاب خلافا لأمر ملوك الدنيا ؛ إنهم يحاسبون على تذكير الغير لهم ما عليهم{[23372]} من الحساب ، ويعذبون على تعريف الغير لهم ما استوجب به التعذيب لا على علم منهم بذلك .

أو يكون معناه : أنه كان به بصيرا في الأزل أنه ماذا يعمل إذا أنشأه وإلى ماذا ينقلب أمره إلى النار أو إلى الجنة ، فخلقه على علم أنه يعادي أولياءه ، ويعمل بمعاصيه .

ولقائل أن يقول : إن المرء في الشاهد ، لا يشرع في الأمر الذي يعلم أنه في العاقبة ، يضره ، ولا ينفعه ، ولو شرع فيه ، وأتمه ، كان مذموما عند الناس ، ولم يكن محمودا ، فأي حكمة في إنشاء عدوه ، وهو عالم أنه يسعى في معاداته .

فجوابه ، والله أعلم ، أن الذي يشرع في الأمر الذي علم أن إتمامه ، يضره ، ولا ينفعه ، إنما لحقته المذمة لما سعى في إضرار نفسه .

فأما الذي أعرض عن طاعة الله ، وكفر به ، فإنما اكتسب الضرر على نفسه خاصة بأن أوقعها في المهالك ، ولم يضر غيره ، لذلك لم تلحقه المذمة في خلقه وإنشائه .

وفي هذا دلالة أن الله حين{[23373]} خلق الخلق لم يخلقهم لمنفعة له ولا لمضرة تلحقه من جهتهم ، بل منافعهم ومضارهم راجعة إلى أنفسهم ، والله أعلم .


[23371]:من م، ساقطة من الأصل.
[23372]:في الأصل وم: عليه.
[23373]:في الأصل وم: حيث.