جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ} (35)

{ أم{[4778]} خلقوا من غير شيء } : من غير رب ، ومحدث أي : لا خالق لهم ، أو من أجل لا شيء أي : عبثا ، { أم هم الخالقون } : لأنفسهم ، فلذلك لا يسمعون كلام خالقهم ولا رسالته ،


[4778]:قوله تعالى:{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} في الصحيحين عن جبير بن مطعم أنه لما قدم في أساري بدر قال: وجدت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، فلما سمعت هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} أحسست بفوائدي قد انصدع، وذلك لأن هذا تقسيم حاضر ذكره الله تعالى بصيغة استفهام الإنكار ليبين هذه المقدمات معلومة بالضرورة لا يمكن جحدها يقول: أم خلقوا من غير شيء أي: من غير خالق خلقهم، أم هم خلقوا أنفسهم وهم يعلمون أن كلا النقيضين باطل فتعين أن لهم خالقا خلقهم سبحانه وتعالى، فإنه يمتنع وجود المحدث بنفسه كما يمتنع أن يخلق الإنسان نفسه، وهذا من أظهر المعارف الضرورية، فإن الإنسان بعد قوته ووجوده لا يقدر أن يزيد في ذاته عضوا ولا قدرا، فلا يقصر الطويل، ولا يطول القصير، ولا يجعل رأسه أكبر مما هو، ولا أصغر، وكذلك أبواه لا يقدران على شيء من ذلك، ومن المعلوم بالضرورة أن الحادث بعد عدمه لا بد له من محدث، وهذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة حتى للصبيان فإن الصبي لو ضربه ضارب، وهو غافل لا يبصره لقال: من ضربني؟ فلو قيل له: لم يضربك أحد لم يقبل عقله أن تكون الضربة حدثت من غير حادث، بل: يعلم أنه لابد للحادث من محدث، فإذا قيل: فلان ضربك بكى حتى يضرب ضاربه، وكأن في فطرته الإقرار بالصانع وبالشرع الذي مبناه على العدل، ولهذا قال الله تعالى:{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} هذا ما لخصت من كلام شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية في شرح حديث النزول/12