قوله : «أَمْ خُلِقُوا » لا خلاف أن «أم » هنا ليست بمعنى بل لكن أكثر المفسرين على أن المراد ما وقع في صدر الكلام من الاستفهام بالهمزة كأنه يقول : «أَخُلِقُوا مِنْ غير شيء »{[53240]} .
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره : أَم خُلِقُوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟{[53241]}
قوله : { مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } يجوز أن تكون «من » لابْتِدَاء الغاية على معنى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شيء حَيٍّ كالجَمَادِ فهم لا يُؤْمَرُون ولا يُنْهَوْنَ كما الجَمَادَات ، وقيل : هي للسَّبَبِيَّة على معنى من غير عِلَّةٍ{[53242]} ، ولاَ لِغَايَةِ{[53243]} ثوابٍ ولا عقابٍ .
وجه تعلق الآية بما قبلها أنهم لما كذبوا النبي - عليه الصلاة والسلام - ونسبوه إلى الكَهَانَةِ والشِّعْر والجُنُونِ وبرأه الله من ذلك ذكر الدليل على صِدْقِهِ إبطالاً لتكذيبهم وبدأ بأنفسهم فكأنه يقول : كيف تكذبونَهُ{[53244]} وفي أنفسكم دليل صدقه ، لأن قوله كانَ في ثلاثة أشياء ، في التوحيدِ ، والحَشْرِ ، والرسالة ففي أنفسهم ما يعلم صدقه وهو أنهم خلقوا وذلك دليل التوحيد لما تقدم أنَّ :
فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِدُ ؟
وأما الحشر فلأن الخلق الأول دليل على جواز الخلق الثاني{[53245]} .
قال المفسرون : معنى الآية : أم خلقوا من غير شَيْءٍ فوُجِدُوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون { أَمْ هُمُ الخالقون } لأنفسهم وذلك في البُطْلاَن أشدُّ ؛ لأن ما لا وجودَ له كيف يخلق فإذا بَطَلَ الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به . قال هذا المعنى أبو سليمان الخَطَّابِيُّ{[53246]} . وقال الزجاج : معناه أَخُلِقُوا باطلاً لا يُحَاسَبُون ولا يُؤْمِنُون{[53247]} وقال ابْنُ كَيْسَانَ : أخلقوا عبثاً وتركوا سُدًى لا يُؤْمَرُونَ ولا يُنهَوْن كقول القائل فعلت كذا وكذا ( وقوله ) : { مِنْ غير شيء } لغير شيء { أَمْ هُمُ الخالقون } لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر{[53248]} .
وقيل : معناه أخلقوا من غير أبٍ وأُمٍّ{[53249]} .
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : أم خلقوا من غير شيء أي أَلَمْ يُخْلَقُوا من ترابٍ أو من ماء لقوله تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] ويحتمل أن يقال : الإستفهام ليس بنفي بل هو بمعنى الإثبات كقوله تعالى : { أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون } و{ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون } و{ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون } [ الواقعة : 59 و64 و72 ] كل ذلك في الأول منفي وفي الثاني مثبت كذلك ههنا قال تعالى : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } أي إنَّ الصادقَ هو الثاني وهذا حينئذ كقوله تعالى : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ الإنسان : 1 ] .
فإن قيل : كيف يكون ذلك الإثبات والآدمي خلق من تراب ؟
نقول : والتراب خلق من غير شيء ، فالإنسان إذا نظرت إلى خلقه ونظرت إلى ابتداء أمره تجده مخلوقاً من غير شيء .
أو نقول : المراد أم خلقوا من غير شيء مذكوراً أو متغيراً وهو الماء المَهِينُ ؟{[53250]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.