جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ} (19)

{ إنه } : القرآن ، { لقول رسول{[5305]} كريم } : جبريل ، قال عن الله ،


[5305]:قال ابن تيمية في بعض فتاواه: في كلام الرب جل جلاله وإن احتج محتج بقوله: "وإنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين" قيل له: قال في الآية الأخرى:{إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون}(الحاقة:42،40) فالرسول في هذه الآية جبريل، والرسول في الأخرى محمد، فلو أريد به أن الرسول أحدث عبارته لتناقض الخبران، فعلم أنه إضافة إليه إضافة تبليغ لا إضافة إحداث، ولهذا قال:" لقول رسول"، ولم يقل ملك، ولا نبي، ولا ريب أن الرسول بلغه كما قال:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}(المائدة:67)، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموسم ويقول:" ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)، ولما أنزل الله: {ألم غلبت الروم}(الروم: 2،1)، خرج أبو بكر الصديق، فقرأها على الناس فقالوا: هذا كلامك أم كلام صاحبك؟ فقال: ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي، ولكنه كلام الله، وإن احتج بقوله "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث"، قيل: له: هذه الآية حجة عليك فإنه لما قال:" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" علم أن الذكر منه محدث، ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا صفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال: ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما أكل إلا طعاما حلالا، ونحو ذلك، ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي، ولكنه الذي أنزل جديدا، فإن الله كان ينزل القرآن شيئا بعدم شيء، فالمنزل أولا هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخر، وكلما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال:{كالعرجون القديم}(يس: 39)، وقال:{تالله إنك لفي ضلالك القديم }(يوسف: 95) ، وقال:{إذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم}(الأحقاف: 11)، وقال:{أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآبائكم الأقدمون}(الشعراء: 76)، وكذلك قوله:{جعلناه قرآنا عربيا} لم يقل جعلناه فقط حتى يظن أنه بمعنى خلقناه، ولكن قال:{جعلناه قرآنا عربيا}(الزخرف:3)، أي: صيرناه عربيا لأنه قد كان قادرا على أن ينزله أعجميا، ونزله عربيا فلما أنزله عربيا، كأن قد جعله عربيا دون عجمي، وهذه المسألة في أصول أهل الإيمان والسنة التي فارقوا بها الجهمية من المعتزلة والفلاسفة ونحوهم، والكلام عليها مبسوط في غير هذا الموضع، والله أعلم/12.