معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتۡ عَلَيۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَٰرِهُونَ} (28)

وقوله : { وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ }

يعنى الرسالة . وهي نعمة ورحمة . وقوله : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة . وهي في قراءة أبَىّ ( فعماها عَلَيْكُمْ ) وسمعت العرب تقول : قد عُمِّىَ عليّ الخَبَر وعَمِيَ عليّ بمعنى واحد . وهذا مما حوّلت العرب الفعل إليه وليس له ، وهو في الأصل لغيره ؛ ألا ترى أن الرجل الذي يَعْمَى عن الخبر أو يُعَمَّى عنه ، ولكنّه في جوازه مثل قول العرب : دخل الخاتمُ في يدي والخُفّ في رِجْلي ، وأنت تعلم أن الرِجل التي تُدخل في الخفّ والأصبع في الخاتم . قاستخفّوا بذلك إِذا كان المعنى معروفاً لا يكُون لذا في حال ، ولذا في حال ؛ إنما هو لواحد . فاستجازوا ذلك لهذا . وقرأه العامَّة ( فعَمِيَتْ ) وقوله { أَنُلْزِمُكُمُوها } العرب تسكّن الميم التي من اللزوم فيقولون : أَنُلْزِمْكُمُوها . وذلك أن الحركات قد توالت فسَكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة ، فلو كانت منصوبة لم يُسْتَثْقَل فتخفَّفَ . إِنما يستثقلون كسرة بعدها ضمةٌ أو ضمةً بعدها كسرة أو كَسْرَتينِ متواليتين أو يُسْتَثْقَل أو ضمَّتينِ متواليتين . فأما الضَّمتان فقوله : { لاَ يَحْزُنْهُمْ } جزموا النون لأن قبلها ضمة فخّففت كما قال ( رُسْل ) فأما الكسرتان فمثل قوله الإبلْ إِذا خُفّفت . وأما الضََّمة والكسرة فمثل قول الشاعر :

وناعٍ يُخَبِّرنا بمُهْلَك سَيّدٍ *** تَقَطَّع من وجد عليه الأناملُ

وإن شئت تُقطَّع . وقوله في الكسرتين :

إِذا اعوجَجْن قلت صَاحِبْ قوِّمِ *** . . .

يريد صَاحبي فإنما يُستثقل الضمّ والكسر لأن لمُخرجيهما مؤونة على اللسان والشفتين تنضمّ الرَفعة بهما فيثقل الضمَّة ويمال أحد الشِّدْقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلاً . والفتحة تَخرج من خَرْق الفم بلا كُلْفة .