معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ} (115)

وقوله : { إِما أَن تُلْقِيَ وَإِما أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }

أدخل ( أن ) في ( إما ) لأنها في موضع أمر بالاختيار . فهي في موضع نصب في قول القائل : اختر ذا أو ذا ؛ ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح في موضع إما .

فإن قلت : إن ( أو ) في المعنى بمنزلة ( إما وإما ) فهل يجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد ؟ قلت : لا يجوز ذلك ؛ لأن أول الاسمين في ( أو ) يكو خبرا يجوز السكوت عليه ، ثم تستدرِك الشكّ في الاسم الآخِر ، فتُمضى الكلام على الخبر ؛ ألا ترى أنك تقول : قام أخوك ، وتسكت ، وإن بدا لك قلت : أو أبوك ، فأدخلت الشكّ ، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عليه . وليس يجوز أن تقول : ضربت إما عبد الله وتسكت . فلما آذنت ( إما ) بالتخيير من أول الكلام أحدثْتَ لها أن . ولو وقعت إما وإما مع فعلين قد وُصِلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز في موقع إما لم يحدث فيها أن ؛ كقول الله تبارك وتعالى : { وآخَرُون مُرْجَون لأَمْرِ الله إما يعذِّبُهم وإما يَتُوب عَلَيْهِمْ } ألا ترى أن الأمر لا يصلح ها هنا ، فلذلك لم يكُنْ فيه أن . ولو جعلت ( أن ) في مذهب ( كي ) وصيَّرتها صلة ل ( مرجون ) يريد أُرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم ، صلح ذلك في كل فعل تامّ ، ولا يصلح في كان وأخواتها ولا في ظننت وأخواتها . من ذلك أن تقول آتيك إما أن تعطى وإما أن تمنع . وخطأ أن تقول : أظنك إما أن تعطى وإما أن تمنع ، ولا أصبحت إما أن تعطى وإما أن تمنع . ولا تُدخلنَّ ( أو ) على ( إما ) ولا ( إما ) على ( أو ) . وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهّم ؛ فيقولون : عبد الله إما جالس أو ناهض ، ويقولون : عبد الله يقوم وإما يقعد . وفي قراءة أبَىّ : ( وإنا وإيَّاكم لإما على هدى أو في ضلال ) فوضع أو في موضع إما . وقال الشاعر :

فقلت لهن امشين إِما نلاقِه *** كما قال أو نشف النفوس فنعذرا

وقال آخر :

فكيف بنفس كلما قلت أشرفت *** على البرء من دهماء هِيض اندمالها

تُهاض بدارٍ قد تقادم عهدُها *** وإما بأمواتٍ ألمَّ خيالها

فوضع ( وإما ) في موضع ( أو ) . وهو على التوهم إذا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يجوز التوهم ؛ كما تقول : أنت ضاربُ زيدٍ ظالما وأخاه ؛ حين فرقت بينهما ب ( ظالم ) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض . ومثله { يا ذَا القَرْنَيْنِ إِما أَنْ تُعَذِّبَ وإِما أَنْ تَتَّخِذَ فِيهم حُسْنا } وكذلك قوله { إِما أنْ تُلْقِىَ وإِما أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } .