غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ} (115)

103

ثم إن السحرة راعوا حسن الأدب فخيروا موسى أوّلاً وقدموه في الذكر ثانياً حيث قالوا { يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } كما هو دأب المتناظرين والمتصارعين ، مع أن في قولهم { وإما أن نكون نحن } بالأمر أليق منه بالخبر . وبدليل قوله { والله مع الصابرين } وفيه ترغيب في الثبات على الجهاد . فمعنى الآية إذن أن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى يغلبوا مائتين ، ثم الصبر لا يحصل إلا بكونه شديد الأعضاء قوياً جلداً شجاعاً غير جبان ولا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة ، وعند حصول هذه الأمور كان يجب الواحد أن يثبت للعشرة لما سبق من وعد النصر في قوله { حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } [ الأنفال : 64 ] وإنما كرر النسبة مرتين لأن السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينقص عددها على العشرين وما كانت تزيد على المائة فورد على وفق الواقعة ، وإما في الكرة الثانية فإنما كررت النسبة للطباق وليكون فيه بشارة وإشارة إلى أن عدد عسكر الإسلام سيؤول من العشرات والمئات إلى الألوف والله أعلم بمراده . ثم بين السبب في الغلبة فقال { بأنهم قوم لا يفقهون } [ الأنفال : 65 ] أي بسبب أن الكفار قوم جهلة لا يعرفون معاداً وقد انحصرت السعادة عندهم في هذه الحياة العاجلة . وأيضاً إنهم يعولون على قوتهم وشوكتهم والمسلمون يتوكلون على ربهم ويستغيثونه ويتوقعون منه إنجاز ما وعد من النصر والتأييد ، ووجه آخر هو أن أهل العلم والمعرفة يكون لهم في أعين الناس هيبة وحشمة ويكونون في أنفسهم أقوياء أشداء لما تجلى عليهم من أنوار المعرفة والبصيرة يعرف ذلك أصحاب العلوم وأرباب المعارف بخلاف الجهلة الذين لا بصيرة لهم ولا نور . قال عطاء : عن ابن عباس لما نزل التكليف الأول ضج المهاجرون وقالوا : يا رب نحن جياع وعدوّنا شباع ونحن في غربة وعدونا في أهليهم . وقال الأنصار . شغلنا بعدوّنا وواسينا إخواننا . وعن ابن جريج كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة في ثلاثين راكباً قبل بدر فلقي أبا جهل في ثلثمائة راكب وأردوا قتالهم فمنعهم حمزة . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس إلى خالد بن صفوان وكان في جماعة وابتدر عبد الله فقال : يا رسول الله صفه لي فقال : إنك إذا رأيته ذكرت الشيطان ووجدت لذلك قشعريرة . وبلغني أنه جمع لي فأخرج إليه وأقتله ، فلما خرجت تعمية للمأفوك بالإفك .

/خ156