البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ} (115)

{ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } .

قال الزمخشري تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال والمتصارعين قبل أن يأخذوا في الصراع انتهى .

وقال القرطبي تأدّبوا مع موسى عليه السلام بقولهم { إما أن تلقى } فكان ذلك سبب إيمانهم والذي يظهر أنّ تخييرهم إياه ليس من باب الأدب بل ذلك من باب الإدلال لما يعلمونه من السحر وإيهام الغلبة والثقة بأنفسهم وعدم الاكتراث والابتهال بأمر موسى كما قال الفرّاء لسيبويه حين جمع الرشيد بين سيبويه والكسائي أتسأل فأجيب أم أبتدىء وتجيب فهذا جاء التخيير فيه على سبيل الإدلال بنفسه والملاءة بما عنده وعدم الاكتراث بمناظرته والوثوق بأنه هو الغالب ، قال الزمخشري : وقولهم { وإما أن نكون نحن الملقين } فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر وإقحام الفصل انتهى ، وأجازوا في { أن تلقي } وفي { أن نكون } النصب أي اختر وافعل إما إلقاءك وإما أمرك الإلقاء أي البداءة به أو إما أمرنا الإلقاء فيكون خبر مبتدأ محذوف ودخلت { أن } لأنه لا يكون الفعل وحده مفعولاً ولا مبتدأ بخلاف قوله { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذّبهم وإما يتوب عليهم } فالفعل بعد { أما } هنا خبر ثان لقوله { وآخرون } أو صفة فليس من مواضع أن ومفعول { تلقي } محذوف أي إما أن تلقي عصاك وكذلك مفعول { الملقين } أي الملقين العصى والحبال .

لأنه لا يكون الفعل وحده مفعولاً ولا مبتدأ بخلاف قوله