الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ} (115)

قوله تعالى : { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } : " إمَّا " هنا للتخيير ، ويُطْلق عليها حرفُ عطف مجازاً . وفي محل " أَنْ تلقي وإما أَنْ نكون " ثلاثة أوجه ، أحدها النصبُ بفعلٍ مقدر أي : افعل إمَّا إلقائك وإمَّا إلقاءنا ، كذا قدَّره الشيخ . وفيه نظر لأنه لا يَفْعَلُ إلقاءهم فينبغي أن يُقَدِّر فعلاً لائقاً بذلك وهو اختر أي : اختر إمَّا إلقاءك وإمَّا إلقاءنا . وقدَّره مكي وأبو البقاء ، فقالا : " إمَّا أن تفعل الإِلقاء " قال مكي : " كقوله :

قالوا الركوبَ فقلنا تلك عادتنا *** . . . . . . . . . . . . . . .

إلا أنه جَعَلَ النصبَ مذهبَ الكوفيين . الثاني : الرفع على خبرِ ابتداءٍ مضمر تقديرُه : أَمْرُك إمَّا إلقاؤك وإمَّا إلقاؤُنا . الثالث : أن يكون مبتدأً خبرُه محذوفٌ تقديرُه : إمَّا إلقاؤك مبدوءٌ به ، وإمَّا إلقاؤنا مبدوءٌ به ، وإنما أتى هنا ب " أَنْ " المصدرية قبل الفعل بخلاف قوله تعالى : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ } [ التوبة : 106 ] لأنَّ " أَنْ " وما بعدها هنا : إمَّا مفعولٌ وإمَّا مبتدأٌ ، والمفعولُ به والمبتدأ لا يكونان فعلاً صريحاً ، بل لا بد أن ينضمَّ إليه حرفٌ مصدري يجعله في تأويل اسم ، وأمَّا آيةُ التوبة فالفعلُ بعد " إمَّا " : إمَّا خبرٌ ثان ل آخرون ، وإمَّا صفةٌ له ، والخبرُ والصفةُ يقعان جملةً فعليةً مِنْ غير حرف مصدري .

وحُذِف مفعولُ الإِلقاء للعلم بهِ والتقدير : إمَّا أَن تُلْقيَ حبالَكَ وعِصِيَّك ، لأنهم كانوا يعتقدون أن يفعل كفِعْلهم أو نلقي حبالَنا وعِصِيَّنا .