الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ} (15)

قوله : { بَعْدَ ذلِكَ } : أي : بعدما ذُكِر ، ولذلك أُفْرِد اسمُ الإِشارة . وقرأ العامَّةُ " لَمَيِّتُون " . وزيد بن علي وابن أبي عبلة وابن محيصن " لَمائِتون " والفرقُ بينهما : أنَّ الميِّتَ يدلُّ على الثبوت والاستقرار ، والمائِت على الحدوثِ كضيِّق وضائق ، وفرَِح وفارِح . فيُقال لِمَنْ سيموتُ : ميِّت ومائت ، ولمن مات : مَيّت فقط دون مائت لاستقرارِ الصفةِ وثبوتِها وسيأتي مثلُه في الزمر إن شاء الله تعالى ، فإن قيل : الموتُ لم يَخْتَلِفْ فيه اثنان ، وكم مِنْ مخالفِ في البعثِ فلِمَ أَكَّد المُجْمَعَ عليه أبلغَ تأكيدٍ ، وتُرك المختلَفُ فيه من تلك المبالغةِ في التأكيد ؟ فالجواب : أنَّ البعثَ لمَّا تظاهَرَتْ أدلتُه وتضافَرَتْ أَبْرَزَ في صورةِ المُجْمَعِ عليه المستغني عن ذلك ، وأنَّهم لَمَّا لم يعملوا للموتِ ولم يهتموا بأمورِه نُزِّلوا منزلةَ مَنْ يُنكره فأبرزهم في صورةِ المُنْكِرِ الذي استبعدوه كلَّ استبعادٍ .

وكان الشيخُ ، سُئِل عن ذلك . فأجاب بأنَّ اللامَ غالباً تُخَلِّص المضارعَ للحال ، ولا يمكنُ دخولُها في " تُبْعثون " لأنه مخلِّصٌ للاستقبال لعملِه في الظرف المستقبل . واعترض على نفسِه بقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ النحل : 124 ] فإنَّ اللامَ دَخَلَتْ على المضارع العاملِ في ظرفٍ مستقبلٍ وهو يومُ القيامة . وأجاب بأنه خَرَجَ هذا بقوله " غالباً " أو بأنَّ العاملَ في يوم القيامة مقدرٌ ، وفيه نظرٌ لا يَخْفى ؛ إذ فيه تهيئةٌ العاملِ للعملِ وقَطْعُه عنه .

و " بعد ذلك " متعلقٌ ب " مَيِّتون " ولا تَمْنَعُ لامُ الابتداءِ من ذلك .