الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ} (13)

قوله : { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } : في هذا الضميرِ قولان ، أحدهما : أنه يعودُ للإِنسانِ . فإنْ أُريد غيرُ آدمَ فواضحٌ ، ويكون خَلْقُه مِنْ سُلالةِ الطينِ خَلْقَ أصلِه وهو آدمُ ، فيكونُ على حَذْفِ مضافٍ . وإن كان المرادُ به آدمَ فيكونُ الضميرُ عائداً على نَسْلِه أي : جَعَلْنا نَسْلَه فهو على حَذْفِ مضافٍ أيضاً . أو عاد الضميرُ على الإِنسانِ اللائقِ به ذلك ، وهو نَسْلُ آدمَ ، فلفظُ الإِنسانِ من حيث هو صالحٌ للأصلِ والفرعِ ، ويعود كلُّ شيءٍ لِما يليقُ به . وإليه نحا الزمخشري .

قوله : { فِي قَرَارٍ } يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بالجَعْل ، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل " نُطْفَة " . والقَرار : المستقَرُّ وهو مَوْضِعُ الاستقرارِ . والمرادُ بها الرَّحِمُ . ووُصِفَتْ ب " مَكِيْن " لمكانةِ التي هي صفةٌ المُسْتَقِرِّ فيها ، لأحدِ معنيين : أمَّا على المجازِ كطريقٍ سائر ، وإنما السائرُ مَنْ فيه ، وإمَّا لمكانتِها في نفسِها لأنها تمكَّنَتْ بحيث هي وأُحْرِزَتْ .