قوله : { قَدْ أَفْلَحَ } : العامَّةُ على " أَفْلَحَ " مفتوحَ الهمزةِ والحاءِ فعلاً ماضياً مبنياً للفاعلِ . وورشٌ على قاعدتِه مِنْ نَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكنِ قبلَها وحَذْفِها . وعن حمزةَ في الوقف خلفٌ : فرُوِيَ عنه كورشٍ ، وكالجماعة . وقال أبو البقاء : " مَنْ ألقى حركةَ الهمزةِ على الدالِ وحَذَفَها فَعِلَّتُه : أنَّ الهمزةَ بعد حَذْفِ حركتِها صُيِّرَتْ ألفاً ، ثم حُذِفَتْ لسكونِها وسكونِ الدالِ قبلها في الأصل . ولا يُعْتَدُّ بحركةِ الدال لأنها عارضةٌ " . وفي كلامِه نظرٌ من وجهين ، أحدهما : أنَّ اللغةَ الفصيحةَ في النقلِ حَذْفُ الهمزةِ من الأصلِ فيقولون : المَرَة والكَمَة في : المَرْأَة والكَمْأَة . واللغةُ الضعيفةُ فيه إبقاؤُها وتَدْييرُها بحركةِ ما قبلَها فيقولون : المَراة والكَماة بمَدَّةٍ بدل الهمزةِ كراس وفاس فيمَنْ خفَّفَهما . فقولُه : " صُيِّرَتْ ألفاً " ارتكابٌ لأضعفِ اللغتين .
الثاني : أنه وإنْ سُلِّمَ أنَّها صُيِّرَتْ ألفاً فلا نُسَلِّم أنَّ حَذْفَها لسكونِها وسكونِ الدالِ في ألأصل ، بل حَذْفُها لساكنٍ محققٌ في اللفظِ وهو الفاء مِنْ " أفلح " ، ومتى وُجد سببٌ ظاهرٌ أُحيل الحُكْمُ عليه دونَ السبب المقدر .
وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد " أُفْلِحَ " مبنياً للمفعول أي : دَخَلوا في الفلاح . فيُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ أفلح متعدِّياً . يقال : أَفْلحه أي : أصاره إلى الفلاح ، فيكون " أفلح " مستعملاً لازماً ومتعدِّياً . وقرأ طلحة أيضاً " أَفْلَحُ " بفتح الهمزة واللام وضمِّ الحاء . وتخريجُها على أنَّ الأصلَ " أَفْلحوا المؤمنون " بلحاقِ علامةِ جمعٍ قبل الفاعلِ كلغة " أكلوني البراغيث " فيجيءُ فيها ما قَدَّمْتَه في قول : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] { وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الأنبياء : 3 ] قال عيسى : " سمعتُ طلحةَ يقرؤُها . فقلتُ له : أتلحنُ ؟ قال : نعم كما لحن أصحابي " يعني اتَّبَعْتُهم فيما قَرَأْتُ به . فإنْ لَحَنوا على سبيلِ فَرْضِ المُحالِ فِأنا لاحنٌ تَبَعاً لهم . وهذا يدلُّ على شدِّةِ اعتناءِ القدماءِ بالنَّقْلِ وضَبْطِه خلافاً لمن يُغَلِّطُ الرواةَ .
وقال ابن عطية : " وهي قراءةٌ مردودةٌ " . قلت : ولا أدري كيف يَرُدُّونها مع ثبوتِ مِثْلِها في القرآن بإجماع وهما الآيتان المتقدمتان ؟ وقال الزمخشري : " وعنه أي عن طلحةَ " أَفْلَحُ " بضمةٍ بغير واو ، اجتزاءً بها عنها كقوله :فلَوْ أنَّ الأَطِبَّا كانُ حَوْلي *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفيه نظرٌ مِنْ حيث إنَّ الواوَ لا تَثْبُتُ في مثلِ هذا دَرْجاً لئلاً يلتقي ساكنان ، فالحَذْفُ هنا لا بُدَّ منه فكيف يقول اجتزاءً عنها بها ؟ وأمَّا تنظيرُه بالبيتِ فليس بمطابقٍ ؛ لأنَّ حَذْفَها من الآيةِ ضروريٌّ ومن البيتِ ضرورةٌ . وهذه الواوُ لا يظهر لفظُها في الدَّرْجِ ، بل يظهرُ في الوقفِ وفي الخَطِّ .
وقد اختلف النَّقَلَةُ لقراءةِ طلحة : هل يُثَبِتُ للواوِ صورةً ؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء ، وفي " اللوامح " : " وحُذِفَتْ الواوُ بعد الحاءِ لالتقائِهما في الدَّرج ، وكانت الكتابةُ عليها محمولةً على الوصلِ نحو :
{ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ } [ الشورى : 24 ] . قلت : ومنه { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] ، { صَالِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 163 ] .
و " قد " هنا للتوقُّع . قال الزمخشري : " قد : نقيضَةُ " لَمَّا " ، هي تُثْبِتُ المتوقَّعَ و " لَمَّا " تَنْفيه ، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقِّعين لهذه البشارةِ ، وهي للإِخبار بثباتِ الفَلاحِ لهم فَخُوطبوا بما دَلَّ على ثباتِ ما تَوَقَّعوه " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.