الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡـٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ} (73)

قوله : { ضُرِبَ مَثَلٌ } : قال الأخفش : " ليس هنا مَثَلٌ ، وإنما المعنى : جَعَلَ الكفارُ للهِ مثلاً " وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : الذي جاء به ليس مَثَلاً فكيف سَمَّاه مَثَلاً ؟ قلت : قد سُمِّيَتِ الصفةُ والقصةُ الرائعةُ المتلقَّاةُ بالاستحسانِ والاستغرابِ مثلاً ؛ تشبيهاً لها ببعض الأمثالِ المسيَّرةِ لكونِها مستغربةً مستحْسنةً " . وقال غيره : هو مَثَلٌ " من حيث المعنى ؛ لأنه ضُرِب مثلُ مَنْ يعبد الأصنامَ بمن يعبد ما لا يخلقُ ذُباباً " .

وقرأ العامَّةُ " تَدْعُون " بتاء الخطاب . والحسن ويعقوب وهارون ومحبوب عن أبي عمرو بالياء من تحت . وهو في كلتيهما مبنيٌّ للفاعل . وموسى الأسواري واليماني : " يُدْعَوْن " بالياء مِنْ أسفلُ مبنياً للمفعول .

قوله : { لَن يَخْلُقُواْ } جعل الزمخشري نَفْي " لن " للتأبيد وقد تقدَّم البحث معه في ذلك . والذبابُ معروفٌ . ويُجمع على ذِبَّان وذُبَّان بكسر الذال وضمِّها وعلى ذُبّ . والمِذَبَّة ما يُطْرَدُ بها الذبابُ . وهو اسمُ جنسٍ واحدتُه ذُبابة ، يقع للمذكورِ والمؤنثِ فيفرَّقُ بالوصف .

قوله : { وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ } قال الزمخشري : " نصبٌ على الحالِ كأنه قال : يَسْتحيل خَلْقُهم الذبابَ مشروطاً [ عليهم ] اجتماعُهم جميعاً لخَلْقِه وتعاونُهم عليه " وقد تقدم غيرَ مرة أنَّ هذه الواوَ عاطفةٌ هذه الجملةَ الحاليةَ على حال محذوفةٍ أي : انتفى خَلْقُهم الذبابَ على كلِّ حال ، ولو في هذه الحالِ المقتضيةِ لخَلْقِهِم لأجلِ الذباب ، أو لأجلِ الصنَمِ .

والسَّلْبُ : اختطافُ الشيءِ بسرعة . يُقال : سَلَبَه نِعْمَتَه . والسلَبُ : ما على القتيل . وفي الحديث : " مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبُه " والاستنقاذ : استفعالٌ بمعنى الإفعال يقال : أنقذه مِنْ كذا أي : أنجاه منه ، وخَلَّصه . ومثله أَبَلَّ المريضُ واسْتَبَلَّ ، وقوله : " ضَعُفَ الطالبُ " قيل هو إخبار . وقيل : هو تعجُّبٌ والأولُ أظهرُ .