اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ} (15)

قوله : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ } أي : بعدما ذكر ، ولذلك أفرد اسم الإشارة ، وقرأ العامة «لَمَيِّتُونَ » ، وزيد بن علي وابن أبي عبلة وابن محيصن «لَمَائِتُونَ »{[32372]} والفرق بينهما : أن الميّت يدل على الثبوت والاستقرار ، والمائت على الحدوث كضيق وضائق وفرح وفارح ، فيقال لمن سيموت : ميّت ومائت ، ولمن مات : ميّت فقط دون مائت ، لاستقرار الصفة وثبوتها ، وسيأتي مثله في الزمر{[32373]} إن شاء الله تعالى . فإن قيل : الموت لم يختلف فيه اثنان وكم من مخالف في البعث ، فَلِم أَكّد المجمع عليه أبلغ تأكيد{[32374]} وترك المختلف فيه من تلك المبالغة في التأكيد{[32375]} ؟ فالجواب : أنّ البعث لما تظاهرت أدلته وتظافرت ، أبرز في صورة المجمع عليه المستغني عن ذلك ، وأنّهم لَمَّا لم يعملُوا{[32376]} للموت ، ولم يهتموا بأموره ، نُزِّلوا منزلة من يُنكره ، فأبرز لهم في صورة المنكر الذي استبعدوه كل استبعاد{[32377]} . وكان أبو{[32378]} حيان سئل عن ذلك{[32379]} ، فأجاب أنّ اللام غالباً تخلص المضارع للحال{[32380]} ، ولا يمكن دخولها في «تُبْعَثُونَ » ، لأنه مخلص للاستقبال لعمله في الظرف المستقبل ، واعترضَ على نفسه بقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة }{[32381]} [ النحل : 124 ] فإن{[32382]} اللام دخلت على المضارع العامل في ظرف مستقبل وهو «يَوْمِ القِيَامَة » فأجاب بأنه خرج هذا بقوله : غالباً ، وبأن{[32383]} العامل في «يوم القيامة » مقدر{[32384]} ، وفيه نظر إذ فيه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه .

و «بَعْدَ ذَلِك » متعلق ب «مَيِّتُونَ » ، ولا تمنع لام الابتداء من ذلك{[32385]} .


[32372]:البحر المحيط 6/399.
[32373]:وهو قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 30].
[32374]:حيث أكد ب "إن" و "اللام".
[32375]:حيث أكد ب "إن" فقط.
[32376]:في ب: يعلموا. وهو تحريف.
[32377]:في ب: استبعاده. انظر البحر المحيط 6/399.
[32378]:أبو: سقط من ب.
[32379]:أي لم دخلت اللام في قوله "لميتون" ولم تدخل في تبعثون؟.
[32380]:تقدم الخلاف بين البصريين والكوفيين في لام الابتداء الداخلة على المضارع هل تخلصه للحال؟.
[32381]:[النحل: 124].
[32382]:فإن: سقط من ب.
[32383]:في الأصل: لأن.
[32384]:انظر البحر المحيط 6/399.
[32385]:انظر التبيان 2/95. ولام الابتداء لا تمنع هنا أن يعمل ما بعدها فيما قبلها لأنها مزحلقة عن مكانها وهو الصدر.