قوله : { مِن سُلاَلَةٍ } : فيه وجهان : أحدهما : وهو الظاهرُ أَنْ يتعلَّقَ ب خَلَقْنا و " مِنْ " لابتداءِ الغاية . والثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من الإِنسان . والسُّلالَةُ : فُعالة . وهو بناءٌ يَدُلُّ على القِلَّة كالقُلامة . وهي مِنْ سَلَلْتُ الشيءَ من الشيءِ أي استَخْرَجْتَه منه ، ومنه قولُهم : هو سُلالَةُ أبيه كأنه انْسَلَّ مِنْ ظَهْرِه وأُنْشِد :
فجاءت به عَضْبَ الأَديمِ غَضَنْفَراً *** سُلالةَ فَرْجٍ كان غيرَ حَصِيْنِ
خَلَقَ البَرِيَّةَ مِنْ سُلالةِ مُنْتِنٍ *** وإلى السُّلالَةِ كلِّها سَنعودُ
/ وقال الزمخشري : " السُّلالَةُ : الخُلاصة لأنَّها تُسَلُّ من بين الكَدَر " . وهذه الجملةُ جوابُ قسمٍ محذوف . أي : والله لقد خَلَقْنا . وعُطِفَت على الجملةِ قبلَها لِما بينهما من المناسبةِ ؛ وهو أنَّه تعالى لمَّا ذَكر أنَّ المُتَّصِفين بتلك الأوصافِ يَرِثون الفردوسَ ، فتضَمَّنَ ذِكْرَ المعادِ الأُخْروي ، ذَكَرَ النشأةَ الأولى ليستدِلَّ بها على المَعَادِ ، فإن الابتداء في العادة أصعبُ من الإِعادةِ كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . وهذا أحسنُ مِنْ قولِ ابن عطية : " هذا ابتداءُ كلامٍ ، والواو في أولِه عاطفةٌ جملةَ كلامٍ على جملةِ كلامٍ ، وإنْ تبايَنَتا في المعنى " لأنِّي قَدَّمْتُ لك وَجْهَ المناسبة .
قوله : { مِّن طِينٍ } في " مِنْ " وجهان ، أحدهما : أنها لابتداءِ الغايةِ . والثاني : أنها لبيانِ الجنسِ . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما الفرقُ بين " مِنْ " ومِنْ " ؟ قلت الأُوْلى للابتداءِ ، والثانيةٌ للبيانِ كقولِه : { مِنَ الأَوْثَانِ } . قال الشيخ : " ولا تكونُ للبيان ؛ إلاَّ إذا قلنا : إنَّ السُّلالةَ هي الطينُ . أمَّا إذا قُلْنا : إنه مِنْ أُنْسِل من الطين ف " مِنْ " لابتداءِ الغاية " .
وفيما تتعلَّق به " مِنْ " هذه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّها تتعلَّقُ بمحذوفٍ إذ هي صفةٌ ل " سُلالة " . الثاني : أنَّها تتعلَّقُ بنفس " سُلالة " ؛ لأنها بمعنى مَسْلولة . الثالث : أنها تتعلَّقُ ب " خَلَقْنا " لأنها بدلٌ مِن الأولى ، إذا قلنا : إن السُّلالةَ هي نفسُ الطين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.