الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

قوله : { غُثَآءً } : مفعولٌ ثانٍ للجَعْل بمعنى التصيير . والغُثاء : قيل هو الجُفاء وقد تقدَّم في الرعد . قاله الأخفش . وقال الزجاج : " هو البالي مِنْ ورق الشجر ، إذا جَرَى السيلُ خالَطَ زَبَدَه " . وقيل : كل ما يُلْقيه السَّيْلُ والقِدْرُ مِمَّا لا يُنْتَفَعُ به ، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ في ذلك . ولامُه واوٌ لأنه مِنْ غثا الوادي يَغْثُو غَثْوَاً وكذلك غَثَت القِدْرُ . وأمَّا غَثِيَتْ نفسُه تَغْثِي غَثَياناً أي : خَبُثَتْ فهو قريبٌ مِنْ معناه ، ولكنه مِنْ مادة الياء . وتُشَدَّدُ ثاء " الغُثَّاء " وتُخَفَّفُ وقد جُمع على " أَغْثاء " وهو شاذُّ ، بل كان قياسُه أن يُجْمَعَ على أَغْثِيَة كأَغْرِبة ، أو على غِثْيان كغِرْبان وغِلْمان . وأنشدوا لامرىء القيس :

3417 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** من السَّيْلِ والغُثَّاءِ فَلْكَةُ مُغْزَلِ

بتشديد الثاء وتخفيفها والجمع أي : والأَغْثاء .

قوله : { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ } : بُعْداً : مصدرٌ بَدَلٌ من اللفظِ بفعلِه ، فناصبُه واجبُ الإِضمارِ لأنَّه بمعنى الدعاءِ عليهم . والأصلُ : بَعُدَ بُعْدَاً وبَعَداً نحو : رَشَدَ رُشْداً ورَشَداً . وفي هذه اللامِ قولان أحدُهما : وهو الظاهرُ أنَّها متعلقةٌ بمحذوفٍ للبيانِ كهي في سَقْياً له وجَدْعاً له . قاله الزمخشري . الثاني : أنها متعلقةٌ ب بُعْداً . قاله الحوفي . وهذا مردودٌ ؛/ لأنه لا يُحْفَظُ حَذْفُ هذه اللامِ ووصولُ المصدرِ إلى مجرورِها البتةَ ، ولذلك منعوا الاشتغالَ في قولِه { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } [ محمد : 8 ] لأنَّ اللام لا تتعلَّقُ ب " تَعْساً " بل بمحذوفٍ ، وإن كان الزمخشريُّ جَوَّزَ ذلك ، وسيأتي في موضِعه إنْ شاءَ الله تعالى .