الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَرۡسَلۡنَا فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (32)

قوله : { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ } : قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : حَقُّ " أَرْسَلَ " أَنْ يَتَعَدَّى ب " إلى " كأخواتِه التي هي : وَجَّه وأنفذ وبَعَثَ ، فما بالُه عُدِّي في القرآن ب إلى تارة وب في أخرى كقوله { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ }

[ الرعد : 30 ] ؟ قلت : لم يُعَدَّ ب " في " كما عُدِّي ب " إلى " ولم يجعَلْه صلةً مثلَه ، ولكن الأُمَّةَ أو القريةَ جُعِلَتْ مَوْضِعاً للإِرسالِ كقولِ رُؤْبة :

أرسلْتَ فيها مُصْعباً ذا إقحامِ ***

وقد جاء " بعث " على ذلك كقولِه تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } [ الفرقان : 51 ] .

قوله : { أَنِ اعْبُدُواْ } يجوز أَنْ تكونَ المصدريةَ أي : أَرْسَلْناه بأَنِ اعبدوا أي : بقوله اعبدوا ، وأَنْ تكونَ مفسِّرةً .

قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ذَكَر مقالةَ هود في جوابه في سورةِ الأعراف ، وسورة هود ، بغير واو : { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } [ الأعراف : 66 ] { قَالُواْ يهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ }

[ هود : 53 ] وههنا مع الواوِ فأيُّ فَرْقٍ بينهما ؟ قلت : الذي بغيرِ واوٍ على تقديرِ سؤالِ سائلٍ : قال : فماذا قيل له ؟ فقيل له : قالوا : كيتَ وكيتَ . وأمَّا الذي مع الواو فَعَطْفٌ لِما قالوه على ما قاله ، ومعناه أنه اجتمع في الحصول : هذا الحقُّ وهذا الباطلُ ، وشتان ما بينهما " .

قلت : ولقائلٍ أَنْ يقولَ : هذا جوابٌ بنفس الواقعِ ، والسؤالُ باقٍ/ ؛ إذ يَحْسُنُ أن يُقال : لِمَ لا يُجْعَلْ هنا قولُهم أيضاً جوباً لسؤالِ سائلٍ كما في نظيرتَيْها لو عكس الأمر ؟ .