الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (51)

قوله : { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } : قرأ الكوفيون بالفتح . والباقون بالكسر . فالفتح من أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ يكونَ على حَذْفِ حرفِ الجرِّ ؛ أي : لأَنَّا دَمَّرْناهم . و " كان " تامةٌ و " عاقبةٌ " فاعلٌ بها ، و " كيفِ " حالٌ . الثاني : أَنْ يكونَ بدلاً من " عاقبة " أي : كيف كان تدميرُنا إيَّاهم بمعنى : كيف حَدَثَ . الثالث : أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي : هي أنَّا دَمَّرْناهم أي : العاقبةُ تدميرُنا إياهم . ويجوزُ مع هذه الأوجهِ الثلاثةِ أَنْ تكونَ " كان " ناقصةً ، وتُجْعَلَ " كيف " خبرَها ، فتصيرَ الأوجهُ ستةً : ثلاثةً مع تمام " كان " وثلاثةً مع نُقْصانها . ويُزاد مع الناقصة وجهٌ أخر : وهو أَنْ تُجْعَلَ " عاقبة " اسمَها و " أنَّا دَمْرناهم " خبرَها و " كيف " حالٌ . فهذه سبعةُ أوجهٍ .

والثامن : أَنْ تكونَ " كان " " زائدةً ، و " عاقبة " مبتدأٌ ، وخبرُه " كيف " و " أنَّا دَمَّرْناهم " بدلٌ مِنْ " عاقبة " أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ . وفيه تَعَسُّفٌ . التاسع : أنها على حَذْفِ الجارِّ أيضاً ، إلاَّ أنه الباءُ أي : بأنَّا دمَّرْناهم ، ذكره أبو البقاء . وليس بالقويِّ . العاشر : أنها بدل مِنْ " كيف " وهذا وَهْمٌ من قائِله لأنَّ المبدل من اسمِ الاستفهام يَلْزَمُ معه إعادةُ حرفِ الاستفهامِ نحو : " كم مالكُ أعشرون أم ثلاثون " ؟ وقال مكي : " ويجوز في الكلام نصبُ " عاقبة " ، ويُجْعَلُ " أنَّا دمَّرْناهم " اسمَ كان " انتهى . بل كان هذا هو الأرجحَ ، كما كان النصبُ في قولِه " فما كان جوابَ قومه إلاَّ أَنْ قالوا " ونحوِه أرجحَ لِما تقدَّم مِنْ شَبَهِهِ بالمضمرِ لتأويلِه بالمصدرِ ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا .

وقرأ أُبَيٌّ " أَنْ دَمَّرْناهم " وهي أَنْ المصدريةُ التي يجوزُ أَنْ تَنْصِبَ المضارعَ ، والكلامُ فيها كالكلامِ على " أنَّا دَمَّرْناهم " . وأمَّا قراءةُ الباقين فعلى الاستئنافِ ، وهو تفسيرٌ للعاقبةِ . و " كان " يجوز فيها التمامُ والنقصانُ والزيادةُ . وكيف وما في حَيِّزها في محلِّ نصب على إسقاطِ الخافض ، لأنه مُعَلِّق للنظرِ .

و " أَجْمعين " تأكيدٌ للمعطوفِ والمعطوفِ معاً .