الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا} (160)

قوله تعالى : { فَبِظُلْمٍ } : هذا الجارُّ متعلق ب " حَرَّمنا " والباء سببية ، وإنما قُدِّم على عامِله تنبيهاً على قبح سبب التحريمِ ، وقد تقدَّم أنَّ قولَه : " فبظلمِ " بدلٌ من قولِه : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ } وتقد‍َّم الردُّ على قائله أيضاً فأغنى عن إعادته . و " من الذين " صفة ل " ظلم " أي : ظلمٍ صادرٍ من الذين هادُوا . وقيل : ثَمَّ صفةٌ للظلم محذوفةٌ للعمل بها أي : فبظلمٍ أيِّ ظلم ، أو فبظلمٍ عظيمٍ كقوله :

فلا وأبى الطيرِ المُرِبَّةِ بالضحى *** على خالدٍ لقد وقَعْتِ على لَحْمِ

أي : لحم عظيم .

قوله : { أُحِلَّتْ لَهُمْ } هذه الجملةُ صفةٌ ل " طيبات " فمحلُّها نصبٌ ، ومعنى وصفِها بذلك أي : بما كانت عليه مِنَ الحِلِّ ، ويوضَّحه قراءة ابن عباس : { كانت أُحِلَّتْ لهم } قوله : " كثيراً " فيه ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنه مفعول به أي : بصدِّهم ناساً أو فريقاً أو جمعاً كثيراً . وقيل : نصبُه على المصدرية أي : صَدَّاً كثيراً . وقيل : على ظرفيه الزمان أي : زماناً كثيراً ، والأول أولى ، لأنَّ المصادرَ بعدها ناصبةٌ لمفاعيلها ، فيجري البابُ على سَننٍ واحدٍ ، وإنما أعيدت الباءُ في قوله : { وَبِصَدِّهِمْ } ولم تَعُدْ في قوله : " وأَخْذِهم " وما بعده لأنه قد فُصِل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولاً للمعطوف عليه ، بل بالعامل فيه وهو " حَرَّمْنا " وما تعلق به ، فلمَّا بَعُد المعطوف من المعطوف عليه بالفصلِ بما ليس معمولاً للمعطوف عليه أُعيدت الباءُ لذلك ، وأمَّا ما بعده فلم يُفْصَل فيه إلا بما هو معمولٌ للمعطوفِ عليه وهو " الربا " .