الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

قوله : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } : قال الزمخشري : " أصلُه : فإنْ نَرَكَ و " ما " مزيدةٌ لتأكيدِ معنى الشرطِ ، ولذلك أُلْحِقَتِ النونُ بالفعل . ألا تراك لا تقول : إنْ تُكْرِمَنّي أُكْرِمْك ، ولكنْ إمَّا تُكْرِمَنِّي أكرمْك " . قال الشيخ : " وما ذكره مِنْ تلازُمِ النونِ ، و " ما " الزائدة ليس مذهبَ سيبويه ، إنما هو مذهبُ المبردِ والزجَّاجِ ، ونصَّ سيبويه على التخيير " . / قلت : وهذه القواعدُ وإنُ تقدَّمَتْ مُسْتَوفاةً ، إلاَّ أنِّي أذكُرها لذِكْرِهم إياها ، وفي ذلك تنبيهٌ أيضاً وتذكيرٌ بما تقدَّم .

قوله : " فإلينا يُرْجَعُون " ليس جواباً للشرطِ الأولِ ، بل جواباً لِما عُطِفَ عليه ، وجوابُ الأولِ محذوفٌ . قال الزمخشري : " فإلينا يُرْجَعُون " متعلِّق بقولِه : " نَتَوَفَّيَنَّك " وجوابُ " نُرِيَنَّك " محذوفٌ تقديرُه : فإنْ نُرِيَنَّك بعضَ الذي نَعِدُهم مِنَ العذابِ وهو القَتْلُ يومَ بدرٍ فذاك ، وإنْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبلَ يومِ بَدْرٍ فإلينا يُرْجَعُون فننتقمُ منهم أشدَّ الانتقامَ " . قلت : قد تقدَّمَ مثلُ هذا في سورةِ يونس وبحثُ الشيخِ معه فَلْيُلْتَفَتْ إليه . وقال الشيخ : " وقال بعضُهم : جوابُ " فإمَّا نُرِيَنَّك " محذوفٌ لدلالةِ المعنى عليه أي : فَتَقَرُّ عَيْنك . ولا يَصِحُّ أَنْ يكونَ " فإلينا يُرْجَعُون " جواباً للمعطوفِ عليه والمعطوفِ ، لأنَّ تركيبَ " فإمَّا نُرِيَنَّكَ بعضَ الذين نَعِدُهم في حياتك فإلينا يُرْجَعون " ليس بظاهرٍ ، وهو يَصِحُّ أَنْ يكونَ جوابَ " أو نَتَوَفَّيَنَّك " أي : فإلينا يُرْجَعُون فننتقمُ منهم ونُعَذِّبُهم لكونِهم لم يَتَّبِعوك . نظيرُ هذه الآيةِ قولُه تعالى :

{ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [ الزخرف : 42 ] إلاَّ أنه هنا صَرَّح بجوابِ الشرطَيْن " . قلت : وهذا بعينِه هو قولُ الزمخشريِّ .

وقرأ السُّلميُّ ويعقوبُ " يَرْجَعون " بفتح ياءِ الغَيْبَةِ مبنياً للفاعلِ . وابنُ مصرف ويعقوب أيضاً بفتح تاءِ الخطابِ .