تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

الآية 77 وقوله تعالى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } قد ذكرنا هذا أيضا .

وقوله تعالى : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } كأنه قال : يتوقّع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزول ما وعد لهم ، ويخطر ذلك بباله ، ويطمع بذلك ، فنهاه عن توقّع نزول العذاب الذي وعد للكفرة في الوقت الذي يطمع فيه وعن الخطر بباله النصر له وإهلاك أولئك في الوقت الذي يتوقّع .

كأنه يقول : إن شئنا أريناك بعض الذي نعدهم ، وإن شئنا توفّيناك ، ولم نُرِك شيئا . وهو ليس لك من الأمر من شيء ، أو يتوب عليهم ، أو يعذّبهم .

وإلا ظاهر قوله : { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } حرف شك ، لا يحتمل من الله تعالى ؛ إذ هو يعلم أنه يفعل ذا ، أو لا يُفعل ، أو يكون [ ذا ، أو لا يكون ]{[18365]} .

لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع نزول ما وعد ، ويحدّث نفسه بذلك ، فيقول له : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إلينا ما ذكرنا ، والله أعلم .

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : هذه الآية من المكتوم لأنه ظاهرها{[18366]} شك .

وفي الآية دلالة الرسالة لأنها خرجت مخرج العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم والتوبيخ له .

ثم أظهر ذلك على الناس ، والسبيل في مثله في عُرف الناس والإخفاء والإسرار عن الناس ، فدل أنه إنما أظهر عليهم الأمر بالتبليغ . وكذلك في قوله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم } [ آل عمران : 128 ] إذ المرء لا يظهر مثل ذلك من غير أمر وتكليف ممّن وجبت عليه طاعته ، والله الموفّق .


[18365]:من م، ساقطة من الأصل.
[18366]:في الأصل وم: ظاهره.