الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (3)

قوله : { كِتَابٌ } : قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ل " تَنْزيل " ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً ، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " تَنْزيل " ، وأَنْ يكونَ فاعلاً بالمصدرِ ، وهو " تنزيلٌ " أي : نَزَلَ كتابٌ ، قاله أبو البقاء ، و " فُصِّلَتْ آياتُه " صفةٌ لكتاب .

قوله : " قُرْآناً " في نصبِه ستةُ أوجهٍ ، أحدُها : هو حالٌ بنفسِه و " عربيَّاً " صفتُه ، أو حالٌ موطِّئَةٌ ، والحالُ في الحقيقةِ " عربيَّاً " ، وهي حالٌ غيرُ منتقلةٍ . وصاحبُ الحال : إمَّا " كتابٌ " لوَصْفِه ب " فُصِّلَتْ " ، وإمَّا " آياته " ، أو منصوبٌ على المصدرِ أي : تقرؤه قرآناً ، أو على الاختصاصِ والمدحِ ، أو مفعولٌ ثانٍ ل فُصِّلَتْ ، أو منصوبٌ بتقديرِ فعلٍ أي : فَصَّلْناه قرآناً .

قوله : " لقومٍ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أَنْ يتعلَّقَ ب فُصِّلَتْ أي : فُصِّلَتْ لهؤلاءِ وبُيِّنَتْ لهم ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، وإنْ كانَتْ مُفَصَّلةً في نفسِها لجميعِ الناسِ . الثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً ل " قُرآناً " أي : كائناً لهؤلاءِ خاصةً لِما تقدَّم في المعنى . الثالث : أَنْ يتعلَّقَ ب " تَنْزِيلٌ " وهذا إذا لم يُجْعَلْ " من الرحمنِ " صفةً له ؛ لأنَّك إنْ جَعَلْتَ " من الرحمن " صفةً له فقد أَعْمَلْتَ المصدرَ الموصوفَ ، وإذا لم يكن " كتابٌ " خبراً عنه ولا بَدَلاً منه ؛ لئلا يَلْزَمَ الإِخبارُ عن الموصولِ أو البدلِ منه قبلَ تمامِ صلتِه . ومَنْ يَتَّسِعْ في الظرف وعديلِه لم يُبالِ بشيءٍ من ذلك . وأمَّا إذا جَعَلْتَ " من الرحمن " متعلِّقاً به و " كتاب " فاعلاً به فلا يَضُرُّ ذلك ؛ لأنه مِنْ تتمَّاته وليس بأجنبيّ ، وهذا الموضعُ ممَّا يُظْهِرُ حُسْنَ علمِ الإِعرابِ ، ويُدَرِّبُكَ في كثيرٍ من أبوابِه .